ألا ترى إلى قوله تعالى: { يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ، والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ، يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا } [النساء:26-28]. وقال: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [البقرة:185]. وقال: { وما الله يريد ظلما للعباد } [غافر:31]. فنفى عن نفسه إرادة القبائح، وبين أنه مريد للطاعة، وكذب الله تعالى من أراد إضافة الشرك إلى الله ووبخهم على ذلك، فقال تعالى: { وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين } [النحل:35]. وقال: { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون } [الأنعام:148]. ومما يدل على أن الله لا يريد القبائح أنه لو أرادها لوجب أن يكون العصاة مطيعين، وذلك محال، لأن المطيع إنما يكون مطيعا لوقوعه إذا فعل مراده (¬1)، وأيضا فإن إرادة القبيح قبيحة، والله تعالى لا يفعل القبائح، فثبت أنه لا يفعل إرادة الكفر والفسوق والمعاصي، فإذا لم يفعل إرادتها لم يكن مريدا لها، وليس يلزمنا ما تظنه المجبرة من أنا قد حكمنا على الله بالضعف، متى قلنا إنه غير مريد لما (¬2) وجد من القبائح، لأنه إذا وجد ما كان القديم غير (¬3) مريد له، لا يؤثر ذلك في أحواله.
ألا ترى أن كل من مضى من اليهود والنصارى إلى الكنائس والبيع، لا يوجب ضعفا للمسلمين والإمام، وإن كان ذلك غير مراد لهم، لأن ذلك لا يؤثر في أحوالهم.
فإن قيل: أوليس المسلمين قد قالوا ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. وهذا خلاف مذهبكم، لأن عندكم أن الله تعالى أراد الطاعات من الكفار ، مع أنها لم تكن، وهو غير مريد للمعاصي الكائنة منهم؟
قيل له: إن المسلمين أرادوا بذلك ما يريده الله تعالى من أفعال نفسه، دون أفعال غيره.
ألا ترى أن غرضهم بهذا القول وصف إقراره وثبات امتداحه، وقد علمنا أن وقوع ما يريده الواحد منا من أفعال عبادته، لا يدل على قدرته.
ألا ترى أن العبد قد يفعل ذلك مع ضعف سيده، وإنما يدل على اقتدار المريد ما يقع من المراد، إذا كان من أفعاله، فوجب أن يكون غرض المسلمين ما بيناه، فإذا صح ذلك لم يجب له فساد مذهبنا.
Halaman 60