Tabsira
التبصرة
Penerbit
دار الكتب العلمية
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م
Lokasi Penerbit
بيروت - لبنان
وَبَيْنَا دَاوُدُ الطَّائِيُّ فِي سَطْحِ دَارِهِ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ تَفَكَّرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَوَقَعَ إِلَى سَطْحِ جَارِهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: مَا عَلِمْتُ بِذَلِكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّفَكُّرَ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَبْدِ، وَالثَّانِي بِالْمَعْبُودِ ﷻ.
فَأَمَّا الْمُتَعَلِّقُ بِالْعَبْدِ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَفَكَّرَ: هَلْ هُوَ عَلَى مَعْصِيَةٍ أَمْ لا؟ فَإِنْ رَأَى زَلَّةً تَدَارَكَهَا بِالتَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ ثُمَّ يَتَفَكَّرَ فِي نَقْلِ الأَعْضَاءِ مِنَ الْمَعَاصِي إِلَى الطَّاعَاتِ، فَيَجْعَلَ شُغُلَ الْعَيْنِ الْعَبْرَةَ، وَشُغُلَ اللِّسَانِ الذِّكْرَ، وَكَذَلِكَ سَائِرَ الأَعْضَاءِ.
ثُمَّ يَتَفَكَّرَ فِي الطَّاعَاتِ لِيَقُومَ بِوَاجِبِهَا وَيُجْبِرَ وَاهِنَهَا، ثُمَّ يَتَفَكَّرَ فِي مُبَادَرَةِ الأَوْقَاتِ بِالنَّوَافِلِ طَلَبًا لِلأَرْبَاحِ، وَيَتَفَكَّرَ فِي قِصَرِ الْعُمْرِ فَيَنْتَبِهَ حَذِرًا أَنْ يَقُولَ غدًا: " يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ".
ثُمَّ يَتَفَكَّرَ فِي خِصَالِ بَاطِنِهِ فَيَقْمَعُ الْخِصَالَ الْمَذْمُومَةَ، كَالْكِبْرِ وَالْعَجَبِ وَالْبُخْلِ وَالْحَسَدِ، وَيَتَوَلَّى الْخِصَالَ الْمَحْمُودَةَ، كَالصِّدْقِ وَالإِخْلاصِ وَالصَّبْرِ وَالْخَوْفِ.
وَفِي الْجُمْلَةِ يَتَفَكَّرُ فِي زَوَالِ الدُّنْيَا فَيَرْفُضُهَا، وَفِي بَقَاءِ الآخِرَةِ فَيَعْمُرُهَا.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمَقْبُرِيُّ، أَنْبَأَنَا عَاصِمُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنْبَأَنَا بُشْرَانُ ابن صَفْوَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ
عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّضْرُ بْنُ الْمُنْذِرِ لإِخْوَانِهِ: زُورُوا الآخِرَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِقُلُوبِكُمْ، وَشَاهِدُوا الْمَوْتَ بِتَوَهُّمِكُمْ، وَتَوَسَّدُوا الْقُبُورَ بِفِكْرِكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ لا مَحَالَةَ، فَمُخْتَارٌ لِنَفْسِهِ مَا أَحَبَّ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالضَّرَرِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ.
وَأَمَّا الْمُتَعَلِّقُ بِالْمَعْبُودِ ﷻ فَقَدْ مَنَعَ الشَّرْعَ مِنَ التَّفَكُّرِ فِي ذَاتِ اللَّهِ ﷿ وَصِفَاتِهِ فَقَالَ ﵇: " تفكروا في خلق الله ولا تتفكرو افي اللَّهِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَقْدِرُوا قَدْرَهُ ".
1 / 66