Tabsira
التبصرة
Penerbit
دار الكتب العلمية
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م
Lokasi Penerbit
بيروت - لبنان
فَأَسْهَرْتُ لَيْلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، وَكَأَنِّي بِعَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ
الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَعَاوَوْنَ فيها. قال: أبصرت فالزم.
عبد نور الله الإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، ادْعُ اللَّهَ لِي بِالشَّهَادَةِ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَنُودِيَ يَوْمًا فِي الْخَيْلِ، فَكَانَ أَوَّلَ فَارِسٍ رَكِبَ وَأَوَّلَ فَارِسٍ اسْتُشْهِدَ قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ أُمَّهُ فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: إِنْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ أَحْزَنُ، وَإِنْ يَكُنْ فِي النَّارِ بَكَيْتُ عَلَيْهِ مَا عِشْتُ فِي دَارِ الدُّنْيَا. فَقَالَ: " يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِجَنَّةٍ وَلَكِنْ جَنَّاتٌ، وَالْحَارِثُ فِي الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى ". فَرَجَعَتْ وَهِيَ تَضْحَكُ وَتَقُولُ: بَخٍ بَخٍ لَكَ يَا حَارِثَةُ!
يَا هَذَا سَبَقَكَ أَهْلُ الْعَزَائِمِ وأنت في الغفلة نائم، لقد بعث الْمَعَالِي بِالْكَسَلِ، وَآثَرْتَ الْبَطَالَةَ عَلَى الْعَمَلِ، أَزْعَجَ ذِكْرُ الْقِيَامَةِ قُلُوبَ الْخَائِفِينَ، وَقَلْقَلَ خَوْفُ الْعِتَابِ أَفْئِدَةَ الْعَارِفِينَ، فَاشْتَغَلُوا عَنْ طَعَامِ الطَّغَامِ، وَمَالَ بِهِمْ حَذَرُ الْبَاسِ عَنْ تَنَوُّقِ اللِّبَاسِ.
كَانَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ يَلْتَقِطُ الرِّقَاعَ مِنَ الْمَزَابِلِ وَيَغْسِلُهَا فِي الْفُرَاتِ وَيَضَعُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ:
(أَطْمَارُهُ رَثَّةٌ فَقَدْ ضَاعَ ... لا ضَاعَ، وَضَاعَ الثَّمِينُ فِي بَلَدِهِ)
(لَيْسَ لَهُ نَاقِدٌ فَيَعْرِفُهُ ... وَآفَةُ التِّبْرِ ضَعْفُ مُنْتَقِدِهِ)
يَا مُفَرِّطًا فِي سَاعَاتِهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، لَوْ عَلِمْتَ مَا فَاتَ شَابَهَتْ دُمُوعُكَ الأَنْهَارَ، يَا طَوِيلَ النَّوْمِ عَدِمْتَ خَيْرَاتِ الأَسْحَارِ، لَوْ رَأَى طَرْفُكَ مَا نَالَ الأَبْرَارُ حَارَ، يَا مَخْدُوعًا بِالْهَوَى سَاكِنًا فِي دَارٍ، قَدْ حَامَ حَوْلَ سَاكِنِهَا طَارِقُ الْفَنَاءِ وَدَارَ، سَارَ الصَّالِحُونَ فَاجْتَهِدْ فِي اتِّبَاعِ الآثَارِ، وَاذْكُرْ بظلام لليل ظَلامَ الْقَبْرِ وَخُلُوَّ الدِّيَارِ، وَحَارِبْ عَدُوًّا قَدْ قَتَلَكَ بِالْهَوَى وَاطْلُبِ الثَّأْرَ، فَقَدْ أَرَيْتُكَ طَرِيقًا إِنْ سَلَكْتَهَا أَمِنْتَ الْعِثَارَ، فَإِنْ فُزْتَ بِالْمُرَادِ فَالصَّيْدُ لِمَنْ أَثَارَ.
1 / 213