Tabsira
التبصرة
Penerbit
دار الكتب العلمية
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م
Lokasi Penerbit
بيروت - لبنان
سَاعَةُ الْوَفَاةِ فَاتَ زَمَنُ الاسْتِدْرَاكِ وَخَرَجَ رَبِيعُ الْبِدَارِ، فَسُدَّ بَابُ الإِجَابَةِ عَنْ دُعَاءِ الإِنَابَةِ، كما قال ﷿ في القيامة: ﴿فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم﴾ أَيْ فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ أَنْ يَتَذَكَّرُوا وَيَتُوبُوا إِذَا جَاءَتْ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ صَرْعَةِ الْمَوْتِ لا عَثْرَةٌ تُقَالُ وَلا تَوْبَةٌ تُنَالُ.
رَوَى مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ عَنِ الْبُرْجُمِيِّ رَفَعَهُ، قَالَ: احْضَرُوا مَوْتَاكُمْ وَلَقِّنُوهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَبَشِّرُوهُمْ بِالْجَنَّةِ، فَإِنَّ الْحَلِيمَ الْعَلِيمَ يَتَحَيَّرُ عِنْدَ ذَلِكَ الْمَصْرَعِ، وَإِنَّ إِبْلِيسَ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ مِنَ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ عِنْدَ فِرَاقِ الدُّنْيَا وَتَرْكِ الأَحِبَّةِ.
(خُذْ لا أبالك لِلْمَنِيَّةِ عُدَّةً ... وَاحْتَلْ لِنَفْسِكَ إِنْ أَرَدْتَ صَلاحَهَا)
(لا تَغْتَرِرْ فَكَأَنَّنِي بِعُقَابِ رَيْبِ ... الدَّهْرِ قَدْ نَشَرَتْ عَلَيْكَ جَنَاحَهَا)
وَيْحَكَ! أَمِنَ الأُخْرَى عِوَضٌ؟ أَنْتُمْ فِي الدُّنْيَا عَرَضٌ، يَا مَنْ كُلَّمَا بَنَى نَقَضَ، يَا مَنْ كُلَّمَا رَفَعَ انْخَفَضَ، يَا عَجِيبَ الدَّاءِ وَالْمَرَضِ، كَمْ شَاهَدْتَ مَسْلُوبًا، كَمْ عَايَنْتَ مَغْلُوبًا، كَمْ مَخْفُوضٍ بَعْدَ الرَّفْعِ، كَمْ مَضْرُورٍ بَعْدَ النَّفْعِ، كَمْ مَدْفُوعٍ عَنْ أَغْرَاضِهِ أَقْبَحَ الدَّفْعِ، بَيْنَمَا هُوَ فِي ثِيَابِ أَوْجَاعِهِ وَمُنَى السَّلامَةِ تَخْطِرُ فِي أَطْمَاعِهِ، أَسْرَعَ الْمَوْتُ وَنَادَى بِإِسْرَاعِهِ، فَعَجَزَ عَنْ مُقَاوَمَتِهِ أَوْ عَنْ دِفَاعِهِ، فَحَارَتْ مِنْ حَالِهِ قُلُوبُ أَتْبَاعِهِ، وَاشْتَغَلَ بِضَيَاعِ أَمْرِهِ عَنْ ضَيَاعِهِ، وَأَقْبَلَتْ قَبَائِلُهُ عَلَى تَقْبِيلِهِ وَوَدَاعِهِ، وَبَكَى لِمَيْلِهِ إِلَى الْهَوَى عِنْدَ نَزْعِهِ وَنِزَاعِهِ، وَهَذَا مَصِيرُكَ فَانْتَبِهْ لَهُ وَرَاعِهِ.
(تَرَدَّ بِالنُّسْكِ وَأَفْعَالِهِ ... يَا مَنْ إِذَا حَانَ مِنْكَ الْمَرَدّ)
(وَرَدْتَ دُنْيَاكَ عَلَى غِرَّةٍ ... فَوَيْحُ مَغْرُورٍ عَلَيْهَا وَرَدْ)
(إِنْ مَرَّ ذَا الفاتك في جهله ... فليخش يومًا ماله مِنْ مُرِدْ)
[إِخْوَانِي] مَا بَالُ النُّفُوسِ تَعْرِفُ حَقَائِقَ الْمَصِيرِ، وَلا تَعْرِفُ عَوَائِقَ التَّقْصِيرِ، وَكَيْفَ رَضِيَتْ بِالزَّادِ الْيَسِيرِ، وَقَدْ عَلِمَتْ طُولَ الْمَسِيرِ، أَمْ كَيْفَ أَقْبَلَتْ عَلَى التَّبْذِيرِ وَقَدْ حُذِّرَتْ غَايَةَ التَّحْذِيرِ، أَمَا تَخَافُ زَلَلَ التَّعْثِيرِ إِذَا حُوسِبَتْ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
1 / 178