Tabiciyyat Fi Cilm Kalam
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Genre-genre
8
ولما كان التغير والتجديد أصلا ثابتا في العقيدة، فإنه بدوره أمر واقع في الحياة الاعتقادية إبان القرون الأولى للحضارة الإسلامية وعصرها الذهبي، حيث تتكشف اختلافات، بل صراعات جمة حول العقيدة؛ ومن العقائد ما بلغ الاختلاف حولها حد سفك الدماء كالذات والصفات وخلق القرآن. وبالطبع ليس مثل هذا التغيير - ولا موضوعاته أصلا وفروعا - هو المنشود؛ ولكن المهم - كما يقول أمين الخولي - أنه بيان لإمكانية الاختلاف، وبالتالي قابلية التطوير والتجديد، فينتهي الخولي إلى أن: «تطور العقائد ممكن، وهو اليوم واجب لحاجة الحياة إليه، وحاجة الدين إلى تقريره.»
9
والتجديد قد يكون دوريا مع التغيرات الدورية، وقد يكون جذريا مع المحن عند رءوس المئين، وعن مثل هذا التجديد الجذري المستجيب لاحتياجات الواقع، يقول الخولي: «إن ذلك التجديد في رءوس القرون هو العمل الثوري الكبير الذي تحتاجه الأمة، كأنما هو ثورة اجتماعية دورية يقوم بها عارف بالحياة متصل بها وعميق الفكرة عنها.»
10
وتحتاجه الأمة الآن أكثر من احتياجها إياه في أية مرحلة أخرى، أو على رأس أية مائة سابقة، هجرية أو ميلادية، وفي مواجهة جحافل التبعية والاستسلام التي استهللنا بها الحديث تلح الحاجة إلى إعادة قراءة أصولنا الدينية قراءة تاريخية علمية وتجديدية، لا أن ننفصل عنها أو نتنكر لها، إمعانا في الاستسلام والتبعية، هذا ما يمليه واقعنا، ومن زاوية الفكر: «الدين يبقى في حاجة دائما إلى فكر ثوري الطبيعة والمناهج؛ ليحدث فيه الثورة من داخل، خصوصا متى كانت عناصر الثورة في أصوله نصا ومنهجا وممارسة. وهي كذلك في الدين الإسلامي ... عنيت بها العقلانية والعلمية والاجتهادية ... غير أن السياسة التي سادت باسم الدين كممتها وأطفأتها ضمانا لصالح أربابها.»
11
وقد بات من الضروري إحياؤها؛ استنقاذا للوعي وللشخصية القومية. من الضروري تجديد منطلقاتنا الفكرية كي تشق طريقها نحو المستقبل.
إن التجديد ينصب في الموقفين القومي العروبي والإسلامي على السواء، فالعروبة تقع من الإسلام موقع سويداء القلب ، والإسلام يقع منها موقع آفاق الروح، والامتداد الحضاري. الأهم أن كليهما - القومي والإسلامي - ينطلق موتورا من نفس الميراث الاستعماري، ويرابض في نفس خندق مواجهة التغريب وذوبان الشخصية والخصوصية في محاولات الغرب الدءوبة لاستقطاب العالم بأسره تحت لواء ثقافته التي يجد في الزعم بأنها عالمية.
وسواء أكنا قوميين أو إسلاميين نتفق جميعا على ضرورة العمل من أجل انبعاثة روح حضارتنا وتأكيدها في مواجهة الآخر الغربي المسيطر، حتى إن عبد الله العروي - وبعد أن حمل كتابه «العرب والفكر التاريخي» تسليما بهيمنة المشروع الثقافي الغربي - يعود في عمل آخر ليشير إلى أن «الانبعاث لا يعني إحياء إنجازات الماضي بقدر ما يعني استعادة العرب للمركز القيادي الذي احتلوه فيما سبق بطول الوطن العربي وعرضه.»
Halaman tidak diketahui