Tabiciyyat Fi Cilm Kalam
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Genre-genre
لقد تفجرت كل هاتيك التقدمية حين أصبحت الطبيعيات مشكلة إبستمولوجية. وبدلا من الفلسفة الطبيعية، ظهرت أخيرا فلسفة العلم الطبيعي التي هي أولا وأخيرا من فلسفات الإبستمولوجيا، لكنها تقوم في الأيديولوجيا بدور لا تستطيعه الفلسفة الطبيعية البائدة، وكما قيل بحق: «إن فلسفة العلم هي في الآن ذاته فلسفة التحرير، ومن لا يحرر طاقاته بذاته، ولا ينفعل بواقعه، ويتفاعل مع عالمه الحي، فكيف يمكنه أن يكون أكثر من هارب حضارة وحالم ثقافة»
20
حضارة، ثقافة ... أو أيديولوجيا. (3) مستقبل الكلام في الطبيعيات المعرفية
إبستمولوجية الطبيعيات، أو الطبيعيات المعرفية، هي أثمن إيجابيات الحضارة الغربية، الإيجابية المستفادة حقا منها بكل المعايير المثالية والواقعية والأيديولوجية.
وكما انتهينا في الفصل السابق، أسرف تراثنا الفلسفي - الكلام والحكمة على السواء - في جعل الطبيعيات أنطولوجية، حتى بات القطع المعرفي ضروريا لكي نجعلها إبستمولوجية، وتلحق بمسيرة العصر.
فهل يستطيع علم الكلام لكي يشق طريقه نحو المستقبل أن يجعل الطبيعيات مشكلة معرفية، بحيث تكون إبستمولوجية الطبيعيات نابعة من تراثنا وليست مجلوبة من الغرب؟
الاجتهاد دائما مشروع، والمحاولة ممكنة، وما دمنا في سيرورة حضارتنا بمركزها الوحي/النص فثمة دائما خط استمرارية وتواصلية، ولم تكن الطبيعيات الكلامية أنطولوجية إلا لأن الأنطولوجيا شاهد على الغائب، على العقائد الإلهية، وبالمثل جعل الحكماء - كما رأينا - الطبيعيات متجهة نحو الإلهيات في دائرة مغلقة؛ وفي كل حال كانت الطبيعيات في نظرية الوجود، كوسيلة معرفية للخوض في قضايا إلهية/عقلية.
والآن، متى بدأ الإعلان الغربي الصريح بتحويل الطبيعيات إلى قضية أو إشكالية إبستمولوجية؟ كما هو معروف، بدأ هذا حين أطلق جاليليو (1564-1642) صيحته الشهيرة «كتاب الطبيعة المجيد مكتوب بلغة الرياضيات».
فحين كان العلم الطبيعي الحديث يشق أولى خطواته الغضة في القرنين السادس عشر والسابع عشر لم يكن يتفتح كالزهر، بل كان ينبجس كالدم، وتفاصيل الصراع الدامي بينه وبين السلطة المعرفية التي كانت لا تزال في يد رجال الكنيسة معروفة جيدا، وقد استمد رجال الدين سلطانهم المعرفي، فقط لأنهم أقدر البشر طرا على قراءة وفهم الكتاب المقدس.
ولكي يستطيع رجال العلم احتلال مواقع معرفية، والاستقلال بنشاطهم عن الكنيسة، أصروا على أنهم - هم الآخرون - أقدر البشر طرا على قراءة كتاب آخر لا يقل عن الأناجيل عظمة ودلالة على قدرة الرب وبديع صنعه؛ إنه كتاب الطبيعة المجيد. فأصبح تعبير جاليليو: قراءة كتاب الطبيعة «شائعا آنذاك للدلالة على نشاط العلماء»
Halaman tidak diketahui