Tabiciyyat Fi Cilm Kalam
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Genre-genre
أجل! يمثل العلم الطبيعي متصلا صاعدا، دونا عن شتى مناحي الإبداع الإنساني كالفن والأدب والفكر والفلسفة والأنظمة التي تحمل سيماء الأيديولوجيا التي نشأت في إطارها فتنمو جميعها في صورة تراكم كمي واتساع أفقي، لا يلغي القديم فيه الجديد ولا يتجاوزه ولا يفوقه، بل يقف بجواره. وأن تمثل الإنجازات المتوالية متصلا صاعدا يقترب دوما من الصواب، متجاوزا مثالب الوضع السابق أو مواطن كذبه، وباحثا عن مثالب أخرى في وضعه الجديد ليتجاوزها ويقترب من الأصوب، فذلك هو التعبير المنطقي عما يعرف بمقولة التقدم العلمي ، التي هي عينها صلب طبيعة العلم. من هنا ... ومن كل صوب وحدب شاع القول إن العلم هو التقدم .
إن التقدمية، وليس العقلانية، هي صلب طبيعة العلم؛ فهذه الأخيرة - أي العقلانية العلمية - تعرضت لتغيرات عاصفة، وظل مفهومها يتبدل مع الانقلابات الثورية وأشكال القطع المعرفي التي شهدها العلم الطبيعي المعاصر، حتى كادت تلك العقلانية العلمية أن تفقد مدلولها المألوف، وينصرف هم جمع من فلاسفة العلم الطبيعي الآن - خصوصا بول فييرابند - في محاولة تحديد المفهوم الجديد المعاصر للعقلانية العلمية.
وعبر مناقشات مقنعة وتحليلات دقيقة ينتهي لاري لوضان إلى ضرورة أن نخطو خطوة ثورية انقلابية، ونجعل العقلانية متعلقة بإمكانية التقدم، بل ومتطفلة عليها، والاختيار العقلاني هو الاختيار التقدمي،
19
فهذا ما تمليه طبيعة العلم الطبيعي.
ومهما تصاعد كفاحنا من أجل خصوصيتنا الأيديولوجية، في مواجهة الآخر الغربي، فلا مناص من اعتبار العلوم الطبيعية المعاصرة هي وحدها الآن مقياس التقدم العلمي ... ذلك لأن هذه الطبيعة التقدمية الدائمة تجعل مقياس العلم يوجد حيث أعلى درجة من تقدمه، أو بالأحرى من إمكانيات تقدمه المتوالي ... وهذه الدرجة في الغرب. العلم الطبيعي في شرق آسيا استمرار لتقدمية العلم الذي قدر له أن ينشأ في الغرب، ولئن تفوقت شرق آسيا على الحضارة الغربية في بعض أشكال التقانة والأبحاث التي تهدف إلى تطوير التقاني، فإنها حتى هذه اللحظة لم تتفوق عليها في العلم البحت، وإن كان من المتوقع أن يحدث هذا في المستقبل القريب. وسواء حدث أو لم يحدث، فإن العلم الطبيعي دائم التقدم، في الشرق أو الغرب، في الشمال أو في الجنوب، نسق واحد ووحيد.
مرة أخرى وأخيرة نقول إنه لا علاقة له بالخصوصيات الأيديولوجية التي يمكن أن تتمثل في برامج تطوير التقانة، الأمن القومي، أولوية الاهتمام بين التخصصات العلمية المختلفة ... لكن لن تختلف طبيعة الضوء الموجبة/الجسيمة باختلاف الأيديولوجيات. لن تضيف فرنسا للموجات أو تدافع اليابان عن الفوتونات، لن تضيف أيديولوجية الصين إحدى الجسيمات للذرة، ولن تحذف عقائد الهند إحدى الترددات الإشعاعية.
تلك التقدمية المتفجرة من بين جنبات العلم الطبيعي الحديث ، حيثما كان وأينما كان، هي التي تجعله «شيئا حيا»، وليس البتة نظرية أنطولوجية متكاملة، بل فعالية إنسانية متنامية دوما، وجهاد إبستمولوجي متواصل. كانت همزة الوصل بين الطبيعة والأنطولوجيا تكمن في الفلسفة الطبيعية. وهذه الأخيرة انتهت تماما منذ أن صيغ مصطلح
Science
للدلالة على ذلك النشاط المعرفي الحديث.
Halaman tidak diketahui