Tabiciyyat Fi Cilm Kalam
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Genre-genre
فتحت نظرية - أو قالب - الفيض آفاقا فلسفية جديدة لمعالجة المشكلة المحورية الموجهة لمبحث الطبيعيات الإسلامية؛ أي مشكلة العلاقة بين الله والعالم المادي. وحددت المسار الفلسفي لهذه المشكلة حتى أبعد امتداداتها، فيمكن اعتبار الحلول ووحدة الوجود الصوفية، التي هي أهم إسهاماتهم الأنطولوجية امتدادا ما لنظرية الفيض.
أما حكمة الإشراق مع السهروردي المقتول - حيث تفيض الأنوار عن النور الأول - فمجرد شكل آخر لها . موقف الصوفية من الطبيعيات أعمق وأكثر دهاء مما يتبدى للوهلة الأولى، فقد جاهر السهروردي - الذي تربطه صلات فكرية بابن سينا - بأزلية العالم والحركة والزمان، وليس من الضروري أن نتبع سنن المشروع الغربي باعا بباع وذراعا بذراع، فنعتبر الفلسفة الإشراقية - كما اعتبر نفر من مفكرينا - كارثة وانحرافا؛ لأنها تناقض مسار الفكر الطبيعي في الغرب.
المهم أن المتفلسفين جميعا - حتى المتصوفة منهم - اهتموا بنظرية الفيض، وساعد خطأ نسبة كتاب ثيولوجيا أفلوطين إلى أرسطو على انتشارها بسبب المكانة التي تمتع بها أرسطو بوصفه المعلم الأول.
رفض المتكلمون نظرية الفيض؛ لأنها في أصلها شكل من أشكال أزلية وأبدية العالم، ونفي الحدوث والخلق من العدم، وتنفي الشروط التي تجعل من العالم فعلا لله، وهي الإرادة والاختيار والروية والقدرة على الفعل والترك. ورأوا أن ما يحدث بالفيض ليس خلقا، بل فقط خروجا إلى حيز الوجود، شبيها بالكمون الذي قال به زميلهم النظام. العالم يوجد ها هنا اضطرارا بالطبع بينما أوجد الله العالم اختيارا بمشيئة وتقدير مسبق لزمان محدد.
إذن، فالفيض من العلامات الفاصلة بين الكلام والحكمة، من حيث إن التساؤل عن حدوث العالم وقدمه هكذا. ولكن هل أدى هذا إلى فرق؟ لنر كيف سار الأمر. •••
تستوقفنا هذه الظاهرة العذبة المعروفة باسم «جماعة إخوان الصفاء وخلان الوفاء»، ظاهرة في تاريخ الفلسفة الإسلامية بجملتها وليس التشيع فحسب؛ فهم موسوعيون أكثر منهم إسماعيليون باطنيون، وبنزعتهم الطبيعية يذكروننا بالموسوعيين الفرنسيين في العصر الحديث، وإن كانت موسوعية إخوان الصفاء مشبعة بعبق الشرق ودفئه الحميم.
لقد ساروا في الطريق الذي أفسحه الكندي للنظر إلى العالم في ذاته، آخذين بنظرية الفيض التي أرساها الفارابي ... لكن ظلوا مبقين على المسلمة الكلامية بأن العالم محدث مصنوع، وأفردوا فصلا في «بيان مقدمات عقلية تدل على هذا»، وفصلا آخر في «بيان الضرر لمن يعتقد أن العالم قديم».
11
وبخلاف هذا لا تكشف رسائلهم التي عرفت لأول مرة عام 334ه عن اتجاه فلسفي محدد، بقدر ما هي محاولة سردية، بل وتلفيقية للم أشتات خطوط المعارف وتوجهات الفكر الإسلامي، وعرضها في قالب ممتع بأسلوب سلس جذاب وسهل في متناول القارئ العادي، وكما أشار دي بور، التضارب والتفكك والنزوع إلى الشمولية في بحوثهم أو رسائلهم جعلها أقرب شبها بدائرة معارف جمعت كل عناصر الثقافة الإسلامية آنذاك.
ولما كنا الآن معنيين بالتوجه العام للفلسفة الإسلامية، ليس بمذهب بعينه، وجدنا رسائلهم كاشفة عن هذا التوجه أكثر من سواها، ومستحقة لتناول مفصل أكثر نسبيا، لا سيما وأنها أتت في أوج مد الحضارة الإسلامية - القرن الرابع الهجري.
Halaman tidak diketahui