Tabiciyyat Fi Cilm Kalam
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Genre-genre
وقد نوه تيزني إلى أن الماضوية التي ترفض الحاضر فضلا من المستقبل تقف في مربع واحد مع الأسطورة التي ترفض التاريخ بأسره؛ فالأسطورة دائما فوق التاريخ، و«اللاتاريخية هي الأساس المكين للنزعة السلفية»؛
6
فتغض النظر وتصم الآذان عن كل المتغيرات.
لهذا انبثقت الصياغة السلفية عن كراهية الحاضر ونفور منه، وعجز عن التعامل معه، حتى شكلها الحنين الدافق والهيام الرومانطيقي المشبوب بالماضي فتلوذ بعوالمه المنفصلة عن العصر، متوهمة إحياء الدين في الواقع، وإحياء الواقع بالدين، وهي في حقيقة الأمر تنطوي على قرني إحراج يدمر الطرفين معا؛ فهي تدمر الواقع حين تنفيه، أو تتصور إمكانية نفيه، بكل زخمه الحضاري، وكل إشكالياته المتعينة ونواتجها غير المتوقعة وظروفه المتولدة والمولدة لحيثيات أخرى، وكل إنجازاته وعثراته وتحدياته المستجدة، وتفر إلى واقع انتهى منذ قرون طويلة خلت، ولم يعد له وجود إلا من حيث تمخض عن تراث قابل للاستيعاب والتجاوز، والتعامل الخلاق مع تخلق حيثيات حضارية جديدة.
وهي تدمر الدين حين تنفي عنه الديناميكية والحياة والقدرة على التواصل والاستمرارية، وبالتالي إمكانية أن يؤدي المهام المنوطة به حين تختلف الأزمنة والأمكنة، هكذا تنتهي الصياغة السلفية المتطرفة إلى تدمير، أو على الأقل استلاب الحياة والفعالية من الدين ومن الواقع على السواء.
كان لا بد أن يكون هذا هو مآل الصياغة السلفية ما دامت تنطلق من التسليم باغتراب الواقع الراهن عن الدين، واغتراب الدين عنه، كوضع منته لا مخرج منه إلا النفي، نفي الواقع بالسلب واللا والتكفير والهجرة منه، أو نفي الدين إلى عوالم أخرى ماضوية، يتصورونها أكثر حضورا من أي حاضر، فتنتهي الحركة السلفية من حيث بدأت: واقع راهن متأزم ودين مغترب عنه.
ولا غرو، فالدوران المنطقي واللف في المتاهات المغلقة هو مآل كل من ينفصل عن الواقع الراهن، محاولا أن ينفيه وهو غير قابل للنفي، أو يعجز عن التعامل معه، وهو تعامل لا مندوحة عنه. •••
وإذا كان هذا هو مآل التوجه الذي يتصاعد الآن كثيفا وبيلا، فإن علم الكلام الجديد ينطلق نحو المستقبل، بحركة جدلية من ذينك الطرفين : الدين/التراث والواقع/الأزمة، ولكن ليس بما يدمر أحدهما أو كليهما، أو يفر منهما كدأب السلفية، بل انطلاقة بما يشبه المركب الجدلي الذي يستوعب كلا الطرفين ويتجاوزهما إلى المركب الشامل المنشود الذي يفضي بدوره إلى مرحلة جديدة.
من هنا طرحت جدلية الاستيعاب والتجاوز كأداة تمهيدية فعالة في يد علم الكلام تساهم في شق الطريق وتعبيده، وحين تصل إلى مركبها الجدلي ستتضح أهميتها، بل ضروريتها في انضباط وضع الطبيعيات بمنظومة علم الكلام الجديد الذي نرومه سائرا نحو المستقبل.
المهم الآن أنه في هذا الطريق السائر قدما - على عكس اتجاه الطريق اليميني السالف - لن نجد علاقة حاضر علم الكلام بماضيه علاقة اتصال سلبي، تجعل الماضي فاعلا والحاضر مفعولا فيه أو به، والأقدمين أوصياء علينا وكلاء عنا في الفعل والإنجاز والتشييد، ومحاولات الإجابة عن تساؤلات عصرنا الملحة التي لم يطرحها عصرهم، ولعلها لم تدر بخلدهم، وهي أيضا - بطبيعة الحال - ليست علاقة انفصال بائن تجعل الحاضر منبت الجذور، وكأنه نبتة شيطانية نشأت عن فراغ. إنها جدلية الانفصال/الاتصال التي تؤذن بالمركب الشامل، والمرحلة الجدلية الجديدة، ودورة حضارية أخرى هي مرحلتنا المعاصرة، التي ننشدها منطلقة نحو المستقبل. (2) القطيعة المعرفية ... آلية مستقبلية
Halaman tidak diketahui