Tabiciyyat Fi Cilm Kalam
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Genre-genre
2
وتبدو جدلية الاستيعاب والتجاوز أداة منهجية فعالة للم أشتات الماضي والحاضر والمستقبل، في إطار متماسك، يبدو لنا قادرا على تقنين تاريخية علم الكلام المتجه نحو المستقبل وفقا للمرحلة التاريخية الراهنة، فيعني صيرورة إلى دورة جديدة، ومسارا إلى الأمام، غده أكثر زخما وثراء من أمسه، مما يجعل الانتقال صعوديا إلى مرحلة أعلى، وليس دائريا ينتهي إلى نقطة بدئه. هكذا يتضح أن الاستيعاب والتجاوز ببساطة يجعل الكلام التراثي كائنا حيا يتصف بالنماء والسيرورة، فيمكن أن يساهم في وضعية الطبيعيات بما تحمله من إمكانيات تقدمية. •••
وهذا يلزم عنه بالضرورة المنطقية إسقاط النظرة التقديسية، أو بالأصح التحجرية للتراث، التي تصادر عليها الحركات السلفية المعاصرة، في تعصبها وتطرفها المرضي، الذي بلغ حد إرهاب الآمنين وترويعهم.
والتوقف بإزاء هذه الحركات الإسلامية السلفية المتطرفة التي برزت ناتئة في واقعنا الحضاري ليس خروجا عن أطر معالجة فلسفية منطلقة باعتبارات إبستمولوجية، بل هو التفعيل لكل هذا والذي ننشده منذ بدء البداية، والأهم أنه إثبات لفعالية جدلية الاستيعاب والتجاوز التي نطرحها كآلية لتاريخية علم الكلام.
تلك التاريخانية - مرة أخرى - مقدمة أكثر من ضرورية؛ فلئن كان الله - تعالى - قد جعل الإنسان تاج الخليقة وبطل الرواية الكونية، فذلك لأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يصنع تاريخا. التاريخ هو ما يجعل عالم الإنسان مختلفا عن عالم الحيوان والنبات والجماد الذي لا يعرف صنع المتغيرات ولا تراكماتها؛ التاريخ هو فاعلية الإنسان، هو صيرورة الحضارات وسيرورة الثقافات، هو التغير الذي جعل الإنسان الكائن الوحيد الذي يدرك معنى الزمان ويصنع له حسابا، فكان الوحيد الذي يعرف معنى الصعود والتقدم واختلاف الأمس عن اليوم، وهذه التاريخانية هي حجر العثرة الذي تصطدم به تلك الجماعات المتطرفة، ليتصاعد مستصغر الشرر الذي قد يضرم مستعظم النيران.
لقد تمسكوا بحديث الفرقة الناجية من النار، الذي شكك في صحته وفي جواز الاستدلال به ابن حزم وآخرون؛ تمسكوا به ليلزموا الطرف الأقصى الواحد والوحيد، رافضين كل المتغيرات في تدرجاتها إلى أطراف أخرى تشكل جميعها الواقع، ثم اتخذ هذا الرفض شكلا تصاعد وباله كثيفا أليما في مسلسل فتن دامية وتساقط القتلى والشهداء من الجانبين، العكس بالعكس طبعا، والجانبان من سويداء الأنا ... من الوطن.
ومهما كانت نواياهم، ومهما كانت أهدافهم وأسانيدهم، فإن الخطأ المحوري في استدلالاتهم الذي يؤدي إلى هذا الاصطدام الدامي، أو على الأقل العقيم، مع الواقع، لهو في إنكار تلك التاريخانية.
بداية الواقع مأزوم، وكلنا نعمل، أو يجب أن نعمل على تجاوز هذه الأزمة بآفاق فكر نهضوي لا يمتنع أن يكون دينيا، أو بمجالات عمل تنموي لا يقتصر على أن يكون اقتصاديا. التنهيض والتنمية هما الشكلان الإيجابيان لرفض أزمة الواقع ... لتجاوزها. كلاهما يسير على معامل المتغيرات في مسار التاريخ بحثا عن الأفضل، دخولا في حركة التقدم نحو المستقبل.
مشكلة الجماعات الإسلامية المتطرفة أنها لا ترفض الواقع المأزوم فحسب، بل تدفعها الثبوتية إلى رفض المتغيرات أيضا، بل وأصلا وانطلاقا من رفض التاريخانية؛ فيطابقون بين الدين وبين التراث، بين الثابت وبين المتحول، وبين الإسلام وبين «الفتاوى» لابن تيمية وتلخيصها في «الفريضة الغائبة»، «نيل الأوطار» و«فتح القدير» لتلميذه الشوكاني، وكتب ابن القيم الجوزية، وفتح الباري للعسقلاني، و«المحلى» لابن حزم، «المغني» لابن قدامة ... حتى «المصطلحات الأربعة» - الحاكمية والألوهية والربانية والوحدانية - للإمام أبي الأعلى المودودي ... وصولا إلى «معالم على الطريق» لسيد قطب.
معظمها أعمال قيمة، لكن تنبع قيمتها من قدرتها على تمثيل روح عصرها والاستجابة لمتطلباته وتحدياته، التي تختلف عن متطلبات وتحديات عصرنا، كلها خارجة من الثابت في حضارتنا: الكتاب والسنة. لكنهم ليسوا أوصياء علينا، ونحن لسنا قاصرين عاجزين عن الإبداع والاجتهاد مثلهم، والخروج من هذا المعين الثابت بما يسد حاجات عصرنا. وكما قال الشيخ أمين الخولي: لهم عصرهم ولنا عصرنا، نتعلم منهم ولا نحذو حذوهم النعل بالنعل.
Halaman tidak diketahui