Tabiat dan Metafizik: Jirim, Kehidupan, Tuhan
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
Genre-genre
إذا كان هذا حال علم النفس، فبأي منهج يعالج؟ أبالمنهج القياسي الصادر عن مبدأ عقلي، أم بالمنهج الاستقرائي المؤسس على التجربة؟ لقد زعم سبينوزا - وكان الوحيد في هذا الزعم - أن العلم إطلاقا قياسي، يحمل معه البرهان ويولد اليقين، وأن علم النفس لا يشذ عن هذه القاعدة، بل يستنبط قوى النفس وأفعالها بالطريقة الهندسية، على ما هو معروض في كتابه «الأخلاق». والحقيقة أن ليس هناك استنباط بالمعنى الصحيح، ولكنه افتنان في العرض يستند على مشاهدة ضمنية ويستمد منها جميع المبادئ والنتائج. ولا يمكن أن يكون الحال إلا كذلك؛ لأن العالم الجسماني - بما فيه الإنسان - مجموع موجودات ممكنة محققة دون غيرها من ممكنات لا تحصى، فهي إذن حادثة، ولا يقع الاستنباط القياسي إلا في الضروريات. ما السبيل العقلي، قبل تحليل الماء مثلا، إلى معرفة تركيبه من هيدروجين وأوكسجين بقدر معين؟ وما السبيل - قبل مشاهدتنا ذاتنا وسلوك الآخرين - إلى معرفة الوجدانيات؟ هذا الفن في العرض لجأ إليه سبينوزا تبعا لنظرية ميتافيزيقية هي وحدة الوجود وما يلزم عنها من ضرورة الأحداث. بل حتى لو سلمنا بالوحدة والضرورة لما جاز لنا أن ندعي علما ضروريا بالأحداث، من حيث إن العلاقات بينها ممكنة لا ضرورية. لقد خلط سبينوزا بين ضرورتين: ضرورة التحقق في العلم الإلهي والضرورة الذاتية كتلك التي نشاهدها في الرياضيات؛ فلو سلمنا بالأولى لما اضطرنا ذلك البتة للتسليم بالثانية وقلب الميتافيزيقا إلى منطق: الميتافيزيقا علم الوجود الواقعي، والمنطق علم الوجود الذهني، فهما دائرتان متخارجتان مختلفتان كل الاختلاف، ومعرفتنا تتبع ترتيبا عكس ترتيب الأشياء؛ إذ تذهب من المعلول إلى العلة ومن العرض إلى الجوهر، مع تقدم العلة والجوهر، في الوجود على المعلول والعرضي؛ ثم إن وضع المسائل توحي به التجربة لا العقل الصرف. وعلى ذلك فمنهج علم النفس لا يمكن أن يكون إلا تجريبيا استقرائيا.
وقد كان كذلك بالفعل، ولا يزال ممعنا في التجربة والاستقراء، أنشئت له المعامل، وأجريت التجارب على الحيوان الأعجم، وعلى الإنسان في جميع مراحل عمره، وفي حالتي الصحة والمرض، وخصوصا الأمراض العصبية والعقلية، وفي العلاقة بين الإحساس والمؤثر الخارجي، وفي العلاقة بين الظواهر الوجدانية والظواهر البدنية المثيرة لها أو المصاحبة أو التابعة، واستنطقت اللغات والآداب والعلوم والفنون والتاريخ، بغية الوقوف على كل شاردة وواردة. هذا هو المنهج الموضوعي المتمم للمنهج الذاتي أو الوجداني، وهو منهج ضروري خصب، بشرط ألا يؤخذ وحده، فيؤدي إلى ما سمي «علم نفس بلا نفس» لامتناعه من كل فحص عن حقيقة النفس، كما يمتنع علم الطبيعة أو علم الأحياء من الخوض في ماهية المادة أو ماهية الحياة، إذا أنكرنا النفس إنكارا إيجابيا أقصينا فكرة الموضوع أو الجوهر أو الأنا الذي يحدث الوجدانيات ويوحد بينها، فسلمنا بإمكان وجودها من غير موضوع، وهذا خلف ، وانتزعنا عن الظواهر أنفسها طابع الشخصية، ولم نفهم الذاكرة التي تعني وجود مبدأ صدرت عنه الظواهر وحفظت فيه، ولم نفهم تداعي الصور أو المعاني الذي يعني وجود مبدأ حافظ لها داع لما تتطلبه الحال منها، ولم نفهم العادة وهي تعني أن ستعدادا ما قد تكون بتكرار فعل معين، فنعني وجود مبدأ يحدث فيه التكرار ويحفظ الاستعداد. هذه أمثلة لما يلحق علم النفس من تشويه وتناقض إذا لم نقبل وجود النفس.
وهذه الاعتراضات تجرح من باب أولى مذهبا أكثر تطرفا استحدثته مدرسة معاصرة وسمته بالمذهب السلوكي
Behaviourism ، وهو يعد أصدق تعبير عن المادية؛ إذ إنه يتجاهل الوجدان بالمرة، ويكتفي بوضع الإنسان أو الحيوان في موقف معين لمشاهدة تصرفه وسلوكه، واستخلاص قوانين تسمح بتوقع أنواع السلوك اللازمة عن ظروف خارجية معينة دون تأويل وجداني، ودون قصد في استعمال ألفاظ العقل والإرادة والمخيلة والذاكرة، وما إليها من الوظائف الوجدانية، إلى قوى متمايزة وأفعال مشعور بها في الباطن، بل إلى مواقف ظاهرة أو ضروب من المجاوبة ورد الفعل. ولهذا المنهج فائدته أيضا، بشرط أن يظل موقفا منهجيا وحسب، وألا يتضمن أي إنكار للحالات الباطنة، فإن أنصاره - إذ يدعون أنه المنهج الوحيد - يشوهون علم النفس ويجرون عليه من الاضطراب والتناقض ما لا قبل بمثله لأي علم. فأولا توجد ظواهر وجدانية عديدة ليس لها وجهة خارجية، مثل تتابع أفكارنا وأسباب أفعالنا؛ وثانيا إذا كنا نعبر عنها بالكلام، وهو بالفعل سلوك خارجي، فإنها مغايرة كل المغايرة لألفاظ التعبير، ولا يمكن ردها إليها بحال؛ وثالثا لا يفسر السلوك بالظروف الخارجية وحدها؛ إذ إنه يتنوع في نفس الظروف، وإن إشارة بعينها قد تتخذ دلالة على مقاصد مختلفة، فلا مندوحة من اعتبار الميول والمقاصد والصور الباطنة التي يحققها السلوك الخارجي؛ فلولا شعورنا بحالاتنا الباطنة لما فهمنا شيئا من الأفعال الظاهرة؛ إنهما وجهتان غير منفصلتين: إحداهما باطنة تدرك بالشعور، والأخرى ظاهرة تدرك بالحواس؛ والأولى متقدمة بالطبع، فكيف يصرف عنها النظر؟
المنهج السليم تجميع الظواهر، ثم تصنيفها تبعا لمشابهاتها، وتعيين قوانينها، أي: شرائط وجودها وفعلها، ثم الارتقاء من الأصناف إلى أسبابها المباشرة التي هي القوى النفسية الصادرة عنها الظواهر، وأخيرا إلى النفس التي هي منبع القوى ومحلها، كي تتحقق في علم النفس معنى العلم بالإطلاق، وهو معرفة العلل الأولى للأشياء. ولا محيص من الاعتقاد بقوى نفسية، مهما يقل الحسيون والتصوريون، ولنا على ذلك دليلان؛ الأول: أن الظواهر مختلفة بالماهية، ليس التذكر كالتعقل، وليس التخيل كالإحساس، وليست الغريزة كالإرادة، فكيف ترد هذه الأصناف إلى أصل واحد، أو كيف يجحد لها الأصل؟ الدليل الثاني: أنها غير واقعة دائما بالفعل، ولكنها واقعة أحيانا متخلفة أحيانا، ففي حال الوقوع تقتضي سببا معينا يحدثها، وفي حال التخلف تقتضي استعدادا لأحداثها، وإلا كانت إذا حدثت كأنها تحدث عن لا شيء، فيلزم أن أفعالنا تزاول بقوى متميزة هي تارة بالقوة وطورا بالفعل، هي «كفايات فعلية» قد تظل في حال الكفاية، وقد تخرج إلى الفعل فتبدو فاعليتها للعيان.
أما القوانين التي نحصل عليها في علم النفس، فلا بد من التفرقة بينها وبين قوانين الطبيعة الصامتة من جماد ونبات تفرقة حاسمة: ذلك أن القوانين الطبيعية تنطبق على كل فرد بتمام الدقة، بحيث يمكن اعتبار أي فرد مثالا للنوع؛ أما في علم النفس، ولا سيما فيما يخص النفس الإنسانية لحصولها على الحرية والاختبار، وكثرة المؤثرات الواردة عليها، وتعقد ظواهرها، واستحالة تكرار ظاهرة بعينها، فنحن مضطرون إلى العدول عن طلب قوانين كلية لا شاذ لها، والقنوع بنسب عامة تقريبية قد لا تكفي أحيانا كثيرة لتعليل الحالات الجزئية التي تعرض في الواقع، وهذه النسب عبارة عن متوسطات لما يجري في النفس، وليست قوانين بالمعنى الفيزيقي توضع في قضايا كلية أو يعبر عنها بأرقام.
فخلاصة المنهج المشاهدة الباطنة، التي هي الأصل الأول والمرجع الأخير، تؤيدها وتكملها المشاهدة الظاهرة غير أن الماديين وجهوا إلى المشاهدة الباطنة اعتراضا لو صح لقضي على علم النفس، نظريا على الأقل؛ إذ إنه بالفعل ناجح مزدهر لا نتصور إمكان زواله من بين العلوم. قالوا: ليس من المستطاع أن نلاحظ تفكيرنا ونحن نفكر ، فإن الجهد الذي نبذله في المشاهدة يبطل موضوعها أو يفسده، فإذا كنا في حالة غضب مثلا وأردنا أن نتعرف تفاصيلها، فإنها تتلاشى لساعتها. وإذا عدنا إلى الحالة بعد وقوعها، فإننا حينئذ لا نقع عليها في ذاتها، بل على أثرها في الذاكرة، وقد يكون هذا الأثر ناقصا أو مشوها.
وجوابنا أن الاعتراض ساقط بمحض تكوين علم النفس بالفعل، وقد أمكن هذا التكوين؛ لأن كل ظاهرة وجدانية فهي دائما مصحوبة بمشاهدة أولية تلقائية، فإننا لا نفعل إلا ولنا دراية بالفعل والانفعال، وهذه الدراية تبقى في الذاكرة، وهي تعدل الظاهرة ذاتها؛ إذ ليس من المعقول أن تخوننا الذاكرة على الدوام، فتقع المشاهدة المتأملة على صورة من الظاهرة صحيحة تتأملها وتحللها، وما من دليل على سلامة هذه الطريقة أبلغ من تحليلات النفسيين، علماء كانوا أو شعراء أو قصصيين، وتكوين علم النفس بالفعل كما قلنا، ونحن لا نقرأ لهم إلا ونحس في أنفسنا مطابقة أوصافهم لما مررنا به من حالات، ونوقن أنهم عرفوا النفس الإنسانية بدقائقها ونفذوا إلى صميمها.
لقد كان أوجست كونت شيئا شبيها بذلك الاعتراض، وأنكر إمكان انشطار الذهن شطرين؛ الواحد هو الظاهرة المشاهدة، والآخر هو المشاهد، وكشف عن السبب الذي يحدو إلى هذا الإنكار، وهو المادية عينها؛ إذ إنها تقر المشاهدة الباطنة حين تصدر عن عضو إلى عضو أو على آثاره، ولا تقر مشاهدة عضو لنفسه؛ لأن مثل هذه المشاهدة تستلزم انعكاس العضو على نفسه، بحيث يكون المشاهد والمشاهد شيئا واحدا، كما يدعي القائلون بالروح، ولكن المادة لا تنعكس على ذاتها، بل ينعكس جزء منها على جزء بقدره، وعند أوجست كونت والماديين أجمعين العقل هو الدماغ، فمحال عندهم دراسة الأفعال العقلية بالعقل نفسه. واعتراض منصب بالأكثر على نظرية المعرفة؛ لذا يقول: إن المنطق وما بعد الطبيعة ونقد العقل خيالات وأوهام؛ ولذا لم يفسح مكانا لعلم النفس في تصنيفه للعلوم الأساسية، فنعود ونقول: إن هذا العالم قائم بالفعل، وإن قيامه دليل على إمكان الانعكاس أو الانشطار شطرين، ودليل من ثمة على روحانية العقل .
أجل إن مشاهدة الباطنة أمر عسير؛ إذ هي تقتضي أولا قسطا وافرا من العلم يحمل على توجيه الاهتمام إلى ما يجري في الوجدان وطلب تعرفه، فإن هذه الفكرة لا تخطر ببال الطفل أو الرجل الجاهل أو المتوحش، وإن هي خطرت فلا يكون نصيبها إلا الإخفاق. ثم إن الوجدانيات من الدقة والسرعة والتنوع والتشابك بحيث تستلزم أيضا إخلاء الذهن من كل شاغل، والاستغراق في تأملها بانتباه حاد متصل، وبراعة كبيرة في التمييز والتحليل، وهذه مجهودات أو مواهب لا تتفق إلا للقليل من الناس وجلهم مأخوذ بالعالم الخارجي. ولكنها على كل حال ميسورة لكثيرين، وليست هي مصدر الأخطاء في علم النفس، وإنما هي التفسير والتأويل، إلى الوجهة الفلسفية وما يشرف عليها من مذاهب. (3) أصالة الحياة الوجدانية
Halaman tidak diketahui