Renungan Tentang Agama dan Kehidupan
تأملات في الدين والحياة
Genre-genre
ص _199 رجال الكهنوت وطوائف البدو من دفاع عنيف وإن كان ذلك لم يمنع أن تدخل أقاليم شتى من جنوب فرنسا فى دين الله، وأن يجد الإسلام قلوبا مفتوحة لمبادئه، وأيدى مبسوطة لرجاله. وبدأ الزحف يتسع وتتبين أهدافه، واندفع المسلمون صوب حدود فرنسا الشرقية فى حركة جريئة يحاولون بها اجتياز ألمانيا نفسها. وبدا للناس كأن السيل لا يزال فى مده وأنه سيكتسح كل ما يعترضه، ولكن الغربيين قرروا أن يجمعوا كلمتهم، وأن يبذلوا آخر ما لديهم من جهد، وآخر ما عندهم من استطاعة، وأن يلقوا بمصيرهم فى معركة حاسمة تستسلم بعدها أوروبا قاطبة، أو يرتد بعدها العرب الفاتحون على أعقابهم. وانتخب الفرنجة "شارل مارتل" قائدا لهم فى هذه المعركة، وسلموا له مقاليد أمورهم. وكان شارل هذا رجلا فطنا ذا كياسة ودهاء لم يلبث أن أدرك حقيقة موقفه، فقرر أن يحتال لقومه، وأن ينتهز الفرصة السانحة ليشترك فى المعركة التى يضمن نتائجها، ويطمئن إلى نهايتها، وخلاصة سياسته مع المسلمين تتضمنها هذه الخطبة القصيرة له- وهى خطبة ذات معان لن تزال ماثلة إلى الأبد تشهد بالذكاء لصاحب الذكاء، وبالخيبة لمن يستحقون الخيبة. خطب شارل مارتل فى قومه فقال: "الرأى عندى ألا تعترضوا العرب فإنهم كالسيل المنحدر يجرف ما يصادفه، وإنهم فى إقبال أمرهم عقدوا نيتهم وجمعوا أمرهم فأصبح الرجل منهم يغنى عن كثرة العدة، واتحدت قلوبهم فصارت أشد من حصانة الدروع، فأمهلوهم حتى تمتلئ الأيدى من الغنائم ويتخذوا المساكن، ويتنافسوا على الرياسة، ويستعين بعضهم على بعض، فإذا كان ذلك فإنكم ستتمكنون منهم بأيسر ما تبذلون.. ". أرأيت إلى هذه الخطبة أيها القارئ؟ فلتنظر إلى المعسكر الإسلامى لترى ما فيه، ولتقرأ قول الحق: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ...). إن هذا القائد الداهية هو الذى عرف علتنا، فاستعان على بلوغ غايته بيده وأيدينا معها! لاحت بوادر الفتنة فى جيوش المسلمين، وبدأ كل قطر يذكر نفسه، ويرفع رأسه على حدة، أهل الشام يكرهون أهل العراق، وأهل الحجاز ينقمون أهل اليمن! ص _200
واستيقظت صيحات الجاهلية الأولى التى طالما عمل الإسلام على سحقها، وتطهير النفوس من رجسها، فهذا مضرى، هذا تميمى، وهذا قيسي! وقامت الأحزاب تتولى الحكم على هذه الأسس، كلما تولى أمير من قبيلة مالا عشيرته وجار على أبناء القبائل الأخرى، واستبدت دنيا الأهواء بكثرة الناس، فقل الصالحون الخلصون، وتطلعت العين للدنيا وضاع أدب الدين بين حب المال والجاه، وبهذه الروح المعنوية كانت جيوش عبد الرحمن الغافقى تستعد لملاقاة جيوش "شارل مارتل " التى جمعها ونظمها وقوم صفوفها للقاء الموشك على الوقوع. وبين مدينتى "تور" و"بواتيه " دارت الواقعة أو وقعت المأساة! بين جيوش فرنسا وألمانيا معآ- فقد تحالف العدوان الألدان على دفع العدو المشترك- وجيوش المسلمين، وظل القتال سبعة أيام شدادا متقلبة الأدوار والأطوار، وكان فى الحقيقة اشتباكآ مروعآ بين الشرق والغرب، وصراعآ له ما بعده من آثار بعيدة. وقد عرف الغربيون ذلك، فاستعدوا له على حين كان جيش المسلمين الإقليمى فى الأندلس هو الذى يخوض وحده غماره، ويتحمل وحده نتائجه المستقبلة. وقد علمت أن بعضهم كان يذوق بأس بعض فلا عجب أن يذيقهم الله بأس عدوهم كذلك. فقتل عبد الرحمن وأصابت المسلمين خسائر جسيمة، وحلت الهزيمة بالعرب والبربر وبسائرالأحزاب المتكالبة على الدنيا، والمتصايحة بصيحات الجاهلية، المتباعدة عن هدى الإسلام وطار النبأ الغريب حقأ! إلى آفاق المشرق والمغرب. لقد توقفت حركة المد وتكسرت موجاتها بعد لأى شديد. نعم لقد تكسرت موجاتها لأن قوة التيار- تيار الإيمان- انقطعت منها لا لأنها اصطدمت بحاجز عنيد. ومن عجب أن المسلمين اليوم يكررون الغلطة نفسها ويكرر عدوهم الدور نفسه. ولله فى خلقه شئون: (وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون). *** ص _201
مصعب بن عمير
* فاتح المدينة قبل الهجرة:
Halaman 202