يقول ماركوس: «والتقدم بالنسبة للطبيعة العاقلة هو ألا تساير أي شيء زائف أو مبهم فيما ينطبع عليها» (8-7). و«الموضوعية الرواقية» تعني القدر على التمييز والفصل بين الطبيعة الداخلية والطبيعة الخارجية، «اعرف نفسك» ... ذلك المبدأ السقراطي المنقوش على معبد كاهنة أبولو في دلفي، هو جوهر المنطق الرواقي. غير أن هذه المعرفة تتخذ في الرواقية طابعا خاصا؛ فالمعرفة الحقة هي بالضبط تلك القدرة على تبين حدود الذات الداخلية؛ أي التمييز الدائم، في اللحظة الراهنة، بين الطبيعة الداخلية والطبيعة الخارجية؛ أي بين العقل والمادة. يقول ماركوس أوريليوس: «ما كان للطريقة التي مزجتك بها الطبيعة بالكل المركب أن تحول بينك وبين أن ترسم حدا يحدك ويحفظ ما هو لك تحت سيطرتك» (التأملات: 7-67). ويقول إبكتيتوس: «أن تتعلم (تتدرب في الفلسفة) تعني بالضبط أن تعرف أي الأشياء نملكه وأيها لا نملكه» (المحادثات، 4: 5-7). وبوسعنا أن نصور هذا التمييز برسم حد تصوري؛ دائرة حول حدود الذات الحقيقية. وقد وصف الرواقيون عقل الحكيم المثالي المكتمل التحديد على أنه «مسيج نفسه»، و«قلعة داخلية» منيعة، و«كرة في توازن تام». وماهية النفس عند الرواقيين أنها «فعل مستقل للإرادة الحرة»؛ نوايانا، وأفكارنا، وقراراتنا. هذه رؤية وجودية عميقة إلى النفس؛ الإنسان هو، جوهريا، إرادة حرة في حالة فعل، وكل ما عدا ذلك فهو خارج عن النفس. «اليقظة الرواقية» إذن تعني الوعي الذاتي الدائم بحركات العقل متحملا كل المسئولية عن أحكامنا وأفعالنا ومخاوفنا ورغباتنا. تقتضي اليقظة أيضا أن نتملك أفكارنا، ونسترد إسقاطاتنا ونعلق كل الأحكام القيمية والانفعالية. إن أفكارنا تسقط معنى وشكلا على إدراكاتنا الحسية، وبفصل هذه عن تلك نصل إلى الحقيقة والموضوعية. يقول ماركوس: «العين السليمة ينبغي أن ترى كل ما هو قابل للرؤية ولا تقول «أريد الأشياء الخضراء فقط»؛ فهذا حال عين مريضة ... والمعدة السليمة ينبغي أن تتقبل كل الطعام بنفس الطريقة التي تتقبل بها الطاحونة كل ما صنعت لطحنه. وكذلك العقل السليم ينبغي أن يكون مستعدا لكل الاحتمالات» (10-35).
والمبدأ المحوري للمنطق الرواقي هو «ليست الأشياء ما يكرب الناس بل أحكامهم عن الأشياء.» إنه مبدأ علاجي جرى على أقلام لا حصر لها:
يقول ماركوس: «إذا كان بك كرب من شيء خارجي، فإن ما يكربك ليس الشي نفسه بل رأيك عن الشيء، وبوسعك أن تمحو هذا الرأي الآن» (8-47)، «فالأشياء ذاتها خاملة، وإنما نحن الذين ننتج الأحكام عنها ونطبعها في عقولنا. وإن بوسعنا ألا نطبعها على الإطلاق، وأن نمحو في الحال أي حكم تصادف انطباعه» (11-16).
ويقول شكسبير: «ليس ثمة شيء حسن أو قبيح، بل الفكر هو الذي يجعله كذلك» (هملت، الفصل 2، المشهد 2).
ويقول سبينوزا: «ورأيت أن كل ما كنت أخشاه وكل ما كان يخيفني لم يكن هو في ذاته حسنا أو سيئا. إنما كان كذلك بحسب ما كان العقل يراه ويتأثر به.»
والمعنى نفسه يصوغه المتنبي شعرا في قوله:
وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى
ولا الأمن إلا ما يراه الفتى أمنا
ويصوغه المعري في اللزوميات:
إذا تفكرت فكرا لا يمازجه
Halaman tidak diketahui