وإذا كان المشهد الحياتي واحدا منذ الأزل فماذا يجديك من تكرار رؤيته؟ يقول لبيد بن ربيعة:
ولقد سئمت من الحياة وطولها
وسؤال هذا الناس كيف لبيد
ويقول ماركوس: «مثلما يحدث لك في المدرج وما شابه ذلك من الأمكنة؛ حيث ثبات المنظر ورتابة المشهد يبعثان على الضجر، كذلك الحال في خبرتك بالحياة ككل؛ كل شيء، هنا وهناك، هو نفس الشيء، وبنفس الأسباب، فإلى متى؟» (6-46). «انظر وراءك إلى الماضي؛ إلى كل التحولات الشديدة للأسر الحاكمة، وبوسعك عندئذ أن تتنبأ أيضا بما سوف يكون؛ فمن المؤكد أنه سيكون مشابها لذلك تماما وأنه لا يمكن أن يحيد عن إيقاع الحاضر؛ ومن ثم فإنه سيان أن تتأمل الحياة البشرية أربعين سنة وأن تتأملها عشرة آلاف من السنين؛ فأي جديد عساك تراه؟» (7-49).
يقول المعري في لزومياته:
وآخرها بأولها شبيه
وتصبح في عجائبها وتمسي
قدوم أصاغر ورحيل شيب
وهجرة منزل وحلول رمس
ويقول ماركوس أوريليوس: «تأمل مثلا عصر فيسباسيان، فسوف ترى نفس الأشياء؛ ناس تتزوج، وتنجب أطفالا، ويدركها المرض، وتموت، وتقاتل، وتعيد، وتتاجر، وتفلح الأرض، وتجامل، وتتدافع، وتشك وتتآمر، وتتمنى موت الآخرين، وتتذمر على نصيبها المقسوم، وتقع في الحب، وتكنز المال، وتتوق إلى منصب القنصل والملك، والآن انقضت حياتهم وزالت. ثم عرج على زمن تراجان، سترى أيضا نفس الأشياء، والحياة انقضت أيضا. وانظر كذلك في الأزمنة الأخرى، والأمم كلها في الحقيقة، وسترى حيوات كثيرة من الكدح تنتهي بسقوط سريع وتحلل إلى العناصر» (4-32). «كل ما يحدث فهو معتاد ومألوف كالزهر في الربيع والفاكهة في الصيف. كذلك أيضا المرض والموت، الافتراء والتآمر؛ وكل ما يسر الحمقى أو يؤلمهم» (4-44). «... وأينما تول فسوف تجد الأشياء ذاتها التي يعج بها تاريخ العصور، القديمة منها والوسيطة والحديثة، وتعج بها المدن والديار في يومنا هذا، لا جديد ... كل شيء مألوف ومعروف ... وزائل» (7-1). (19) التأهب للموت «وما الموت؟ إن من يتأمل الموت في ذاته، ويعمل فيه التحليل العقلي ليجرده مما يرتبط به من دلالات سوف يخلص إلى أنه لا يعدو أن يكون وظيفة طبيعية. ومن يرتاع لوظيفة من وظائف الطبيعة فهو طفل غرير. ليس الموت وظيفة طبيعية فحسب بل إنه أيضا لخير الطبيعة وصالحها» (2-12).
Halaman tidak diketahui