284

Disagreement of Hadith

تأويل مختلف الحديث

Penerbit

المكتب الاسلامي ومؤسسة الإشراق

Nombor Edisi

الطبعة الثانية

Tahun Penerbitan

1419 AH

Genre-genre

Sains Hadis
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ، لَا يَجُوزُ عَلَى مِثْلِهِ الْكَذِبُ، لِتَتَابُعِ الرِّوَايَاتِ عَنِ الثِّقَاتِ بِهِ، مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ.
وَلَوْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ كَذِبًا، جَازَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِ دِينِنَا فِي التَّشَهُّدِ -الَّذِي لَمْ نَعْلَمْهُ إِلَّا بِالْخَبَرِ، وَفِي صَدَقَةِ النَّعَمِ، وَزَكَاةِ النَّاضِّ١ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعِتَاقِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي وَصَلَ إِلَيْنَا عِلْمُهَا بِالْخَبَرِ، وَلَمْ يَأْتِ لَهَا بَيَانٌ فِي الْكِتَابِ -بَاطِلًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ وَقَوْلُ مُوسَى ﵇: "رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي" فَلَيْسَ نَاقِضًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: "تَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" لِأَنَّهُ أَرَادَ -جَلَّ وَعَزَّ- بِقَوْلِهِ: "لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ" فِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ لِمُوسَى ﵇: "لَنْ تَرَانِي" يُرِيدُ: فِي الدُّنْيَا، لِأَنَّهُ -جَلَّ وَعَزَّ- احْتَجَبَ عَنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَوْمَ الْحِسَابِ، وَيَوْمَ الْجَزَاءِ وَالْقِصَاصِ، فَيَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ كَمَا يَرَوْنَ الْقَمَرَ فِي لَيْلَةِ الْبَدْرِ وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، كَمَا لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْقَمَرِ.
وَلَمْ يَقَعِ التَّشْبِيهُ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالَاتِ الْقَمَرِ، فِي التَّدْوِيرِ، وَالْمَسِيرِ وَالْحُدُودِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِهَا، عَلَى أَنَّا نَنْظُرُ إِلَيْهِ ﷿ كَمَا نَنْظُرُ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا يُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ، كَمَا لَا يُخْتَلَفُ فِي الْقَمَرِ.
وَالْعَرَبُ تَضْرِبُ الْمَثَلَ بِالْقَمَرِ فِي الشُّهْرَةِ وَالظُّهُورِ، فَيَقُولُونَ: هَذَا أَبْيَنُ مِنَ الشَّمْسِ، وَمِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ، وَأَشْهَرُ مِنَ الْقَمَرِ، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَقَدْ بَهَرْتَ فَمَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ ... إِلَّا عَلَى أَحَدٍ لَا يَعْرِفُ الْقَمَرَا
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: "لَا تُضَامُّونَ ٢ فِي رُؤْيَتِهِ" دَلِيلٌ؛ لِأَن التضام من

١ الناض: إِذا تحول عينا بعد أَن كَانَ مَتَاعا "لقاموس الْمُحِيط ٢/ ٣٥٨".
٢ "تضَامون" الرِّوَايَة الْمُشَدّدَة لِابْنِ ماجة فِي الْمُقدمَة بَاب ١٣ وَقد ورد فِي الْحَاشِيَة: تضَامون أَي تردحمون، وروى "تضَامون" أَي يلحقكم ضيم ومشقة.
وَكَذَلِكَ ورد فِي هَامِش الصفحة ١٣٩ من المجلد الأول من صَحِيح البُخَارِيّ للعلامة أَحْمد بن مُحَمَّد الْخَطِيب الْقُسْطَلَانِيّ فِي تَعْلِيقه على الحَدِيث قَوْله: "لَا تضَامون" بِضَم أَوله وَتَخْفِيف الْمِيم: أَي لَا ينالكم ضيم أَي تَعب أَو ظلم.

1 / 298