نحن اليوم في أول المحرم من سنة ست وثمانين وثلاثمئة وألف، ننظر إليه في الفجر فنراه يومًا طويلًا يمتد أمامنا، نستطيع أن نعمل فيه ما نشاء، نستمتع فيه -إن أردنا- بدنيانا، ونحمّله ما نريد حمله من الزاد إلى أُخرانا، فإذا أمسى المساء وذهب اليوم لم نعد نستطيع أن نستفيد منه ولا أن نستمتع فيه. نظنّه باقيًا لنا، فنُبَذّر في دقائقه كما يُبَذّر المسرف في ماله، ونضيع ساعاته، ولكنا لا نجده حتى نفقده. إنه لا يكاد يبدأ حتى ينتهي، ثم يمضي فلا يعود أبدًا.
اذكروا الآن أول يوم من المحرم سنة خمس وثمانين. لقد كنا نراه أيضًا ونحن نستقبله طويلًا، وكنا نقدر أن نصنع فيه خيرًا كثيرًا، فأين هو منا اليوم؟ وأين الأول من المحرم سنة أربع وثمانين؟ وأين أوائل المحرَّمات التي مرت بنا أو مررنا نحن بها من قبل؟ ماذا بقي منها في أيدينا؟
تمضي السنة وتجيء أخرى بعدها، فمَن لم يعمل خيرًا فيها عمله في التي تليها. إن فاتك عمل الخير في النهار فعندك الليل خِلْفَة منه، فاعمل الخير فيه. مواسم متتابعة، إن أضعت الموسم فلم تزرع فيه فازرع في الذي يليه، وإن رسبت في الامتحان في دورة حزيران فعندك دورة أيلول.
هي خلفة لك ما بقيت حيًا، ولكن هل تعلم كم تبقى حيًا؟
* * *
ينقضي العام فتظن أنك عشته، وأنت في الحقيقة قَدْ مِتَّه! لا تعجبوا من هذا المقال ودعوني أوضح الفكرة بالمثال: أنت
1 / 8