ما يكاد يجد الإنسان مثلها نلتها بتسعة قروش. وما تسعة قروش بالنسبة لي؟ إنها شيء كالعدم، شيء لا يغنيني وجوده ولا يفقرني فقده، فهل تحبون أن تشتروا مثل هذه المتعة؟ هل تحبون أن تعرفوا ما هي لذة الروح وما هي راحة القلب؟ هل تريدون أن تذوقوا نعيم الجنة وأنتم في الدنيا؟
لا تحسبوا أني أصُفُّ كلامًا وأرصفُ ألفاظًا، إني والله أسوق لكم حقائق. فإن أردتم معرفتها ففتّشوا حولكم عن هذه الطفولة المحرومة وهذه النفوس المعذَّبة، ثم أوْلوها الإحسان.
وليست قيمة الإحسان بكثرة المال؛ إن المال ينفع الفقيرَ ولكنه لا ينزع من قلبه النقمة على الحياة ولا يَسْتَلُّ منها بغض الأغنياء ولا يملؤها بالحب. إن الذي يفعل هذا كلَّه هو العطف، وأن تُشعر الفقير بأنه مثلك، وأن تعيد إليه كرامته وعزة نفسه. ورُبّ تحية صادقة تلقيها على سائل أحب إليه من درهم، ودرهم تعطيه فقيرًا وأنت تصافحه يكون آثَرَ عنده من دينار تدفعه إليه متكبرًا مترفعًا، يدك تمتد إليه بالمال ووجهك يجرّعه كأسَ الإذلال.
إن كل غني يستطيع أن يتصدق بالكثير، ولكن غنيّ القلب بالإنسانية والنبل والحب هو الذي يستطيع أن يتصدق -مع المال- بالعاطفة المنعشة؛ فلا تضنّوا على الفقراء بإنسانيتكم، ولا تبخلوا عليهم بعطاء قلوبكم، وذكّروهم أنهم لا يزالون معدودين من البشر، وأنهم مثلكم لأب واحد ولأم واحدة، لآدم وحواء، وأنهم لم ينحدروا إلى دركة الدواب والبهائم.
ذكّروهم بهذه الحقيقة التي طالما نسيتموها أنتم، ونسوها هم
1 / 30