الولدين الفقيرين، فدعوتهما فدفعت إليهما قرشين وقلت لهما: هو ذا البائع، فالحقاه فاشتريا مثلهما، الواحد بقرش.
فأخذا القرشين، وعهدي بمثلهما أن القرش الصاغ ثروة له لا يناله إلا بشقّ النفس، فما حفلا بهما ولا هشَّا لهما، ولبثا شاخصَين في التمثالين كأنهما لم يريا القرشين ولم يسمعا الكلام، أو كأن عقلهما فارقهما فاستقر على ما في يدي فلم يفهما كلامي. وحاولت نسيانهما وسرت، فتبعاني كأنهما كلبان، وكنت أحس بحرّ نظراتهما على ظهري وبثقلها على روحي فأهم أن أمد يدي باللعب إليهما، ثم تدركني محبة الولد فأكف، حتى وصلت الدار وصورتهما أمام عيني، تمنع عنهما رؤية فرحة أولادي باللعب وتواثبهم إليها.
ولما خرجت وجدت الولدين لا يزالان في الطريق يفتّشان عن البائع، يعدوان هنا وهناك كأم أضاعت طفلها ولا تدري أية سبيل سلك، فدعوتهما فأفرخت روعهما وسألتهما عن اسميها، فمشيا معي، فما درت مع الطريق دورة حتى لقيت البائع أمامي، فاشتريت لهما تمثالين وتركت لهما القرشين، ووجدت حول البائع أولادًا مثلهما، فقلت له: أعطِ كل ولد تمثالًا (١).
وكانوا تسعة، فدفعت إليه تسعة قروش.
* * *
_________
(١) الأصل في التمثال أنه ما نُحت من حجر أو صُوِّر من طين أو نحاس أو سواه، ويكون على هيئة إنسان أو حيوان، وهذا محرَّم صُنعُه وبيعه واقتناؤه، وقد كان مذهب علي الطنطاوي التشدد فيه، فلم =
1 / 28