وأي امرئ -مهما بلغ من خمول الذكر والهوان على الناس- يترك الدفء والنور والسعادة من غير أن يلتفت إلى الوراء فيودع العالم بنظرة؟
إن الروح الراحلة تريد أن تتكئ قبل رحيلها على صدر محب، والعين المغمضة تحتاج قبل إغمائها إلى دموع الإخلاص، بل إن صراخ الحياة لينبعث من صميم القبر فيضرم نارَها في رمادنا البارد.
* * *
وبعد، فيا أيها الشاعر الذي يقوم في المقابر ويندب الموتى المنسيين: إني لألتفت الآن إليك فأرى رجلًا مثلك، شاعرًا هائمًا قد جاء يبحث عما حل بك، وانتهى إليه مطافك، فوجد فلاحًا هَرِمًا فسأله عنك، فقال له: لقد طالما رأيناه عند انبلاج الفجر، يسرع الخطو ليستقبل الشمس من ذروة التل.
وطالما لمحناه في الظهيرة متمددًا بجسمه المنهوك على أقدام تلك الشجرة الهرمة وفوق جذورها الباردة العجيبة، يرقب الجدول الذي ينساب إلى جانبه ويتأمل مياهه الهادرة المتكسرة. وطالما أبصرناه هائمًا على وجهه بالقرب من هذه الغابة، باسمًا آنًا كأنه ساخر من كل شيء، وآنًا عابسًا كئيبًا كأنه مُضنَى هدَّتْهُ الآلام، أو مريض قتله الحب اليائس.
* * *
وفي ذات صباح، نظرنا إلى الهضبة فلم نجده! "فبحثنا عنه