13 -
أما الفلاسفة فإنهم متفقون على أن جميع أجرام العالم شفافة منيرة أو قابلة للنور مؤدية له، ما خلا كرة الأرض، فإنها كثيفة بذاتها، مظلمة (1) بطبعها، وإن الظلام الموجود في العالم إنما هو منها، وإن ذلك ذاتي فيها لا عرض لها، بل هو ملازم لها ملازمة الظل للشخص، والنور للشمس، والضياء فيها إنما هو عرض لها طار على الظلام الذاتي الملازم. قال أبو معشر: الأرض لما وجدت كانت مظلمة من جميع جهاتها، فما قابله منها نور الشمس انزاح الظلام عنه إلى الجهة التي لم تقابلها الشمس، فإذا دارت الشمس إلى الجهة الأخرى المظلمة أنارت وانزاح الظلام إلى الجهة التي كانت مضيئة، هكذا على الدوام.
14 -
وأما المتشرعون فإنهم - على اختلاف مللهم - متفقون على تقديم الليل على النهار في الوجود، وفي نص التوراة في مفتتحها (2) : " أول ما خلق الله السموات والأرض كانت تيها وتيها وظلام على وجه الغمر، وأرواح الله مرفرفة على وجه الماء، وقال الله: يكون نور فكان النور، ورأى الله النور حسنا، وفصل الله ببن النور وبين الظلام، فسمى عند ذلك النهار نهارا والظلام ليلا. وكان مساء وما يليه، وصباح وما يتبعه، الجميع يوم واحد ". هذا نص التوراة، وهو تصريح جلي. قوله (تيها وتيها) أي قاع صفصف خالية من العمران، والغمر ههنا الماء.
15 -
قال الشيخ المصنف: ومن كتاب " فردوس البيعة " للقس أبي الفرج الطبيب (3) في العلة التي من أجلها خلق الله الظلمة أولا ومن بعدها النور، قال: لأن الفاعل الحكيم شأنه، أن يدرج مفعولاته من النقصان إلى الكمال، ومثال ذلك تصيبره الجنس الآدمي - الذي هو علة المخلوقات - آخر المخلوقات، فالواجب أن يجعل النور آخرا لأنه أشرف من الظلمة، ولكيما - إذا وجد النور - بان الملائكة الروحانيون به وهو ينظر شريف ما تقدم بخلقه من عظيم أفعاله، وكان هذا علة جاذبة
Halaman 14