ذِكْرُ السُّنَنِ الَّتِي هِيَ تَفْسِيرٌ لِمَا افْتَرَضَهُ اللَّهُ مُجْمَلًا مِمَّا لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ بِلَفْظِ التَّنْزِيلِ دُونَ بَيَانِ النَّبِيِّ ﷺ وَتَرْجَمتِهِ
١١٥ - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَجَدْتُ أُصُولَ الْفَرَائِضِ كُلَّهَا لَا يُعْرَفُ تَفْسِيرُهَا وَلَا تُنْكَرُ تَأْدِيَتُهَا وَلَا الْعَمَلُ بِهَا إِلَّا بِتَرْجَمةٍ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وَتَفْسِيرٍ مِنْهُ، مِنْ ذَلِكَ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ، قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: ١٠٣] فَأَجْمَلَ فَرْضَهَا فِي كِتَابِهِ وَلَمْ يُفَسِّرْهَا وَلَمْ يُخْبِرْ بِعَدَدِهَا وَأَوْقَاتِهَا فَجَعَلَ رَسُولَهُ هُوَ الْمُفَسِّرَ لَهَا وَالْمُبَيِّنَ عَنْ خُصُوصِهَا وَعُمُومِهَا، وَعَدَدِهَا وَأَوْقَاتِهَا، وَحُدُودِهَا، وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي افْتَرَضَهَا اللَّهُ هِيَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي بَيَّنَهَا وَحَدَّدَهَا فَجَعَلَ صَلَاةَ الْغَدَاةِ رَكعَتَيْنِ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَالْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَأَخْبَرَ أَنَّهَا عَلَى الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ مِنَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ إِلَّا الْحُيَّضَ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِنَّ، وَفَرَّقَ بَيْنَ صَلَاةِ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَفَسَّرَ عَدَدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِرَاءَةِ وَمَا يُعْمَلُ فِيهَا مِنَ التَّحْرِيمِ بِهَا وَهُوَ التَّكْبِيرُ إِلَى التَّحْلِيلِ مِنْهَا وَهُوَ التَّسْلِيمُ وَكَذَلِكَ فَسَّرَ النَّبِيُّ ﷺ الزَّكَاةَ بِسُنَّتِهِ فأَخْبَرَ أَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا تَجِبُ فِي بَعْضِ الْأَمْوَالِ دُونَ بَعْضٍ عَلَى الْأَوْقَاتِ وَالْحُدُودِ الَّتِي حَدَّهَا وَبَيَّنَهَا، فَأَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْعَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَوَاشِي مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ السَّائِمَةِ وَفِي بَعْضِ مَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ دُونَ بَعْضٍ وَعَفَا عَنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَلَمْ يُوجِبْ فِيهَا الزَّكَاةَ
١١٦ - وَلَمْ يُوجِبِ الزَّكَاةَ فِيمَا أَوْجَبَهَا فِيهِ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا لَمْ تَبْلُغِ الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّهَا، فَقَالَ: «لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ ⦗٣٧⦘ صَدَقَةٌ وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ» وَبَيَّنَ أَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ إِذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ يَمْلِكُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ثُمَّ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقبَلِ مِنْ حَوْلٍ إِلَى حَوْلٍ إِلَّا مَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ فَإِنْ كَانَ الزَّكَاةُ تُؤْخَذُ مِمَّا وَجَبَ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهُ عِنْدَ الْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْحَوْلُ حَالَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَنْ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ سِنِينَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غَيْرُ الزَّكَاةِ الْأُولَى، كُلُّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ، قَالَ اللَّهُ ﵎: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة: ١٨٣] فَجَعَلَ ﷺ فَرْضَ الصِّيَامَ عَلَى الْبَالِغِينَ مِنَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ إِلَّا الْحُيَّضَ، فَإِنَّهُنَّ رُفِعَ عَنْهُنَّ الصِّيَامُ، فَسَوَّى بَيْنَ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ فِي رَفْعِهَا عَنِ الْحَائِضِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَضَاءِ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِنَّ قَضَاءَ الصِّيَامِ وَرَفَعَ عَنْهُنَّ قَضَاءَ الصَّلَاةِ وَبَيَّنَ أَنَّ الصِّيَامَ هُوَ الْإِمْسَاكُ بِالْعَزْمِ عَلَى الْإِمْسَاكُ عَمَّا أُمِرَ بِالْإِمْسَاكِ عَنْهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى دُخُولِ اللَّيْلِ
1 / 36