Kotak Dunia
صندوق الدنيا
Genre-genre
ولم تكد شفتاها تفترقان، وهمست كأنما تتنفس: «سأحبك دائما.»
وكان هذا آخر لقاء، فقد زوجوها في الريف.
حلاق القرية
وقعت لي هذه الحادثة في الريف منذ سنوات عديدة، قبل أن تتغلغل المدنية إلى أنأى قراه، وكنت أنا الجاني على نفسي فيها، فقد عرض علي مضيفي أن أستعمل موساه فأبيت، وقلت: ما دام للقرية حلاق فعلي به، فحذرني مضيفي وأنذرني ووعظني، ولكنني ركبت رأسي وأصررت أن يجيء الحلاق. فجاء بعد ساعات يحمل ما ظننته في أول الأمر «مخلاة شعير» وسلم وقعد وشرع يحييني ويحادثني حتى شككت في أمره واعتقدت أن الحلاق شخص آخر، وأن هذا الجالس أمامي ليس سوى «طلائعه»، ولما عيل صبري سألته عن حلاق القرية، فابتسم ومشط لحيته بكفه وأنبأني أن الحلاق محسوبي (يعني نفسه)، فلعنته في سري وسألته متى ينوي أن يحلق لي لحيتي؟ أم لا بد أن يضرب بالرمل والحصى أولا ويصحب الطالع قبل أن يباشر العمل؟ فلم يفهم وأولاني صدغا كث الشعر وقال: «هيا» فظننته أصم وصحت به: «أ ... ر ... يد أن ... أ ... ح ... ل ق»، فسره صياحي جدا، وضحك كثيرا، وأقبل على «مخلاته» فأخرج منها مقصا كبيرا جدا، فدنوت من أذنه وسألته: هل في القرية فيل؟
فقال: فيل؟ لماذا؟
فأشرت إلى المقص. فضحك. وقال: «هذا مقص حمير ولا مؤاخذة.» فقلت: «ولماذا تجيئني بمقص الحمير؟ أحمارا تراني؟»
ويظهر أن معاشرة الحمير بلدت إحساسه فإنه لم يعتذر لي ولا عبئ بسؤالي شيئا، ثم أخرج موسى من طراز المقص و«مكنة» من هذا القبيل أيضا، فعجبت له لماذا يجيء إلي بكل أدوات الحمير؟ وسألته عن ذلك فقال: إن الله مع الصابرين. وبعد أن أفرغ مخلاته كلها انتقى أصغر الأدوات، وأصغرها أكبر ما رأيت في حياتي. ثم أقبل علي وقال: «تفضل.»
قلت: «ماذا تعني؟» قال: «اجلس على الأرض.» قلت: «ولماذا بالله؟» قال: «ألا تريد أن تحلق؟» قلت: «ألا يمكن أن أحلق وأنا قاعد على الكرسي؟» قال: «وأنا؟» قلت في سري: وأنت تذهب إلى جهنم ونعم المصير، وهبطت إلى الأرض كما أمر، ففتح موسى كالمبرد، فقلت: «إن وجهي ليس حديدا يا هذا»، قال: «لا تخف إن شاء الله»، ولكني خفت بإذن الله ولا سيما حين شرع يقول: «باسم الله، الله أكبر»، كأنما كنت خروفا، ويبصق في كفه ويشحذ الموسى على بطن راحته، ثم جذب رأسي، فذعرت ونفرت ووليت هاربا إلى أقصى الغرفة، فقال: «ماذا؟»
قلت: «ماذا؟ أتريد أن تحلق لي بمبرد، ومن غير صابون؟»
قال: «ماذا يخيفك؟»
Halaman tidak diketahui