كبير في هذا الصدد، سوى ما كان من كتابة عبد الله بن عمر وغيره، فهذا القرن خير القرون، كان فيه الحذر والتشدد في النقل عن رسول الله تدينا، فلا سبيل لتهمة الكذب، بل كان الخوف من الخطأ والنسيان، وجرى الحرص على صحة المنقول وثبوته.
٢ - عهد كبار التابعين ﵏ وهو فترة نشط فيها الاهتمام بالإسناد، والتعرف على أحوال الرجال، وقد تقدم قول ابن سيرين ﵀: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدعة فلا يؤخذ حديثهم، وقد تبع هذا القول اتجاهان متضادان في شأن التدوين للسنة وما يتعلق بها من آراء شخصية: فالصدر الأول من التابعين تأثروا بمنهج الأصحاب في عدم الرضى عن كتابة ما سوى القرآن الكريم (١)، وآخرون من التابعين منهم: سعيد بن جبير، وكان يقول: كنت أسير بين ابن عمر وابن عباس، فكنت أسمع الحديث منهما، فأكتبه على واسطة الرحل حتى أنزل فأكتبه (٢)، وسعيد بن المسيب رخص لعبد الرحمن بن حرملة في الكتابة حين شكا إليه سوء الحفظ (٣)، والشعبي كان يقول: " الكتابة قيد العلم، إذا سمعتم مني شيئا فاكتبوه ولو في حائط " ووجدله بعد موته كتاب في الفرائض والجراحات (٤)، فهؤلاء وغيرهم من التابعين رأوا ضرورة تقييد العلم واعتمدوا قول من سمح به من الأصحاب آخرا، منهم أبو بكر وعمر وعلي ﵃ (٥)، وعللوا الكراهة بأن لا يضاهى بكتاب الله تعالى غيره، أو يشتغل عنه بسواه (٦)، وقصة الخليفة عمر بن عبد العزيز ﵀ في الأمر بتدوين العلم مشهورة معلومة، ولا شك أنه استأنس برأي العلماء، وكان أول من حققله هذه الغاية الإمام الزهري ﵀، وكان يفخر بذلك ويقول: لم يدون هذا العلم أحد قبل تدويني (٧)، وإن وجد للزهري من القول ما يُضاد هذا مثل قوله: " لولا
_________
(١) انظر: تذكرة الحفاظ (١/ ٥) تقييد العلم (٥٠) وجامع بيان العلم ١/ ٦٤).
(٢) تقييد العلم (١٠٣) وجامع بيان العلم وفضله (١/ ٧٢).
(٣) تقييد العلم ٩٩، وجامع بيان العلم وفضله ١/ ٧٣.
(٤) المحدث الفاصل رقم ٣٥٠، وتقييد ص ٩٩.
(٥) انظر (المحدث الفصل ص ٣٦٣ - ٤٠٠، والمستدرك (١/ ١٠٦) وجامع بيان العلم وفضله (١/ ٧٢) ... وتقييد العلم (٩٠).
(٦) تقييد العلم (٥٧) ..
(٧) الرسالة المستطرفة (٤).
1 / 7