وَكنت بِحَمْد الله امْرَءًا مِنْهُم مولدا ومنشأ وانضاف إِلَى ذَلِك مَا هُوَ مَعْلُوم من حب الوطن عِنْد الملا ومتعارف بَين الفضلا وَله يَقُول ابْن الرُّومِي شعرًا ... وَمَا الشوق للأوطان من أجل طيبها ... وَلَا شرف فِيهَا وَفضل مقَام
وَلكنه فِي النَّفس طبع لأَجله ... يُجَادِل فِي تفضيلها ويحامي
وَمن ثمَّ يهوى الطِّفْل فِي النَّفس أمه ... ويأبى سواهَا وَهِي ذَات وشام
وَمن غربَة يبكي الْجَنِين إِذا بدا ... وَقد كَانَ فِي ضيق وفرط ظلام ... فَأَحْبَبْت حِينَئِذٍ وضع كتاب أجمع فِيهِ غَالب علمائه وأذكر مَعَ ذكر كل مَا ثَبت من حَاله مولدا ونعتا ووفاة بعد أَن أضم إِلَى ذَلِك إِشَارَة من اعْتقد أَن إِشَارَته حكم وطاعته غنم فاعتمدت ذَلِك متقربا بِالْإِشَارَةِ وراجيا من الله الْإِعَانَة
ثمَّ عرض لي أَن مَتى عرض مَعَ ذكر أحد من الْعلمَاء ذكر أحد من الْأَعْيَان ذكرت من حَاله مَا لَاق ثمَّ أضفت إِلَى ذَلِك طرفا من أَخْبَار الْمُلُوك وَجَعَلته مُخْتَصرا أُرِيد بذلك جعل الْكتاب جَامعا لذكر الْفَرِيقَيْنِ ورؤساء الدَّاريْنِ
وبدأت بالعلماء لقَوْله تَعَالَى ﴿وَالْمَلَائِكَة وأولو الْعلم﴾ وَثَبت عَنهُ ﷺ أَنه قَالَ من يرد الله بِهِ خيرا يفقهه فِي الدّين وأحببت أَن أقدم نبذة من الْأَخْبَار دَالَّة على فضل الْعلمَاء والملوك
فَمن الدَّلِيل على فضل الْعلمَاء مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِسَنَدِهِ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ من سلك طَرِيقا يلْتَمس فِيهِ علما سلك الله ﷿ بِهِ طَرِيقا إِلَى الْجنَّة وَأَن الْمَلَائِكَة لتَضَع أَجْنِحَتهَا رضَا لطَالب الْعلم وَأَن الْعَالم يسْتَغْفر لَهُ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض حَتَّى الْحيتَان فِي جَوف المَاء
ولفضل الْعَالم على العابد كفضل الْقَمَر على الْكَوَاكِب وَأَن الْعلمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء لم يورثوا دِينَارا وَلَا درهما وَإِنَّمَا ورثوا الْعلم فَمن أَخذ بِهِ أَخذ بحظ وافر
قَالَ الْخطابِيّ فِي معالمه فِي معنى وضع الْمَلَائِكَة أَجْنِحَتهَا لأهل الْعلم ثَلَاثَة
1 / 62