Sultan Muhammad Al-Fatih: Penakluk Constantinople
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
Genre-genre
وما كانت الفوضى في الإدارة والحكم لتعمل على انتشار الأمن واستتباب النظام في أجزاء الدولة الباقية، بل لقد دعتها الحروب المستمرة إلى الإمعان في فرض الضرائب الفادحة؛ مما دعا السكان إلى التذمر وتفضيل الحكم العثماني حيث يستطيعون أن يتمتعوا في ظله بالهدوء والسكينة والعدالة.
ومما أنهك الدولة وامتص حيويتها كفاحها الطويل المستمر أمام أعداء أشداء غلاظ كثيرين لا يعصون أطماعهم ما أمرتهم، فمن قبائل جرمانية إلى جموع صقلية إلى خصوم من الآلان والأفار والهون والتتار والبلغاريين، إلى غزوات العرب والصليبيين والبنادقة والجنويين إلى هجمات الأتراك التي لم تكن تنقطع، وكل هؤلاء كانوا لا يرومون إلا دمار الدولة والقضاء عليها والاستيلاء على عاصمتها إلى أن كلت نهائيا، وساءت حالتها المالية وفقدت معظم بلادها وخسرت قومها ورجالها وسقطت في آخر الأمر صريعة الظروف أمام الغزو العثماني العنيف المنتصر.
ولكن إذا كانت الدولة البيزنطية ضعيفة مفككة، فلقد ظلت عاصمتها مدينة قسطنطين، تحتفظ بجانب كبير من رونقها وبهائها.
مدينة قسطنطين
عمرت مدينة القسطنطينية ألف عام بعد أن بناها الإمبراطور الروماني قسطنطين الأكبر بتوسيع بيزنطة المدينة الإغريقية القديمة، ولقد اختار قسطنطين عاصمته الجديدة في مكان منيع يصعب الدنو منه ويسهل الدفاع عنه. وأصبحت رومة الجديدة - كما كان يطلق على القسطنطينية - حاضرة دولة عظيمة، ومركز حضارة سامية، ورمزا لرقي باهر، ومصباحا وهاجا امتد نوره إلى الشرق الإسلامي والغرب المسيحي، فترك فيهما آثارا جليلة باقية، وكانت مصدرا لا ينضب لإلهام ولوحي جديد في الغرب كما كانت مصدرا للإعجاب والتقدير في الشرق.
لقد كانت هذه الحاضرة ناضرة مضيئة في وسط الظلام الحالك الذي كان يغمر العصور الوسطى في معظم أجزاء أوروبا ما عدا إسبانيا الإسلامية.
كانت القسطنطينية مركز الذوق والفن والجمال والتفكير في كل أنحاء أوروبا المسيحية ولم تكن مجرد ناقلة للحضارة الإغريقية القديمة؛ فهي مدينة امتازت باتصالات مستمرة وثيقة بالشرق والغرب معا، ففيها تقابلت الهلينية الإغريقية بالمسيحية الشرقية فكونت حضارة بيزنطية، تأثرت بالشرق الفارسي ثم الإسلامي وانتفعت بحضارته وتركت أثرا واضحا في حياته.
كانت القسطنطينية عاصمة للدولة البيزنطية، ورمز حضارتها، ومركز ثقافتها، وعنوان تمدينها، وقلبها النابض، وعقلها المفكر.
كانت القسطنطينية محط أنظار العالم الشرقي والغربي بأجمعه لمدة ألف عام، هذه المدينة «المحروسة» الضخمة العظيمة الزاهرة، باريس العصور الوسطى وموطن العلم والفن واللذة والقداسة. هذه المدينة بجمال موقعها حيث يتقابل الشرق والغرب، البر والبحر، بجوها المعتدل الصحي، وبمينائها المحمية، هذه المدينة العظيمة بميادينها العامة المتسعة وبواباتها، وتماثيلها المبثوثة في كل مكان، وعظيمة بكنائسها الفخمة المتعددة وأسواقها التي لا تقف حركتها، وملاعبها وحماماتها، هذه المدينة الشهيرة بحصونها المنيعة ومعاقلها المشيدة وقفت أمام البرابرة من هون وأفار وبلغار وروس وصقالبة، وحالت أمام آمال الغزاة والفاتحين من فرس وعرب وترك.
هذه المدينة كان يقصدها الناس من أقصى جهات أوروبا، ويتغنى بها الروسي على ضفاف أنهاره، ويردد ذكرها الأوروبي، ويطمع في الاستحواذ عليها الشرقي.
Halaman tidak diketahui