فقال إبراهيم: سمعت عنها ولكني لم أسمعها بعد، الحق أنا عرفناها شيخة لا عالمة! وبالأمس قلت لها: زوجك شيخ المؤمنين، ولكن ينبغي أن تؤجلي الصلاة والعبادة إلى حين!
وضحكوا جميعا، وقال أحمد مخاطبا أخاه: لا ينقص عروسك إلا أن تضمها إلى شعبة الشيخ علي المنوفي معك.
فقال العريس: إن شيخنا أول من نصحني بالزواج ..
فقال أحمد مخاطبا أخاه: لعل الإخوان يعتبرون الزواج مادة من دستورهم السياسي!
والتفت إبراهيم إلى كمال قائلا: أما أنت فكنت - أقصد أيام دخلتي - صغيرا، وكان شعرك غزيرا لا كما هو اليوم، وكنت تتهمنا بسرقة أختيك فلم تغفر لنا ذلك أبدا .. «كنت ميدانا خاليا لم تبدأ به المعارك بعد، يتحدثون عن سعادة الزواج .. لو يعرفون ما يحدث به الأزواج الشاكون! نعيمة أعز علي من أن يملها مخلوق، أي شيء لا ينكشف عن خدعة في هذه الحياة؟!»
قالت خديجة معلقة على قول زوجها: كنا نظن ذلك حبا لنا، ولكن اتضح مع الأيام أنه ليس إلا عداوة للزواج نشأت معه منذ الصغر !
وضحك كمال كما ضحكوا جميعا. إنه يحب خديجة، ويزيد من حبه علمه بحبها الشديد له، أما تعصب العريس فشد ما يزعجه، ولكنه من ناحية أخرى يحب أحمد ويعجب به، وهو نافر من الزواج ولكن يطيب له أن تذكره خديجة به في كل مناسبة، وكان قلبه شديد التأثر بجو الزواج المحيط به، فانتشى قلبه وحواسه، ووجد حنينا وإن يكن بلا هدف، ثم تساءل كأنما يتساءل لأول مرة: ماذا يمنعني من الزواج؟ .. حياة الفكر كما كان يزعم قديما؟! إني أشك اليوم في الفكر والمفكر معا، أهو الخوف، أم الانتقام، أم الرغبة في الألم، أم رد الفعل الصادر من الحب القديم .. في حياتي مسوغ لأي من هذه الأسباب!
وسأل إبراهيم شوكت كمال: أتدري لماذا آسف على عزوبتك؟ - نعم؟ .. - إني أعتقد أنك زوج مثالي إذا تزوجت، فأنت رجل بيت بطبعك، منظم، مستقيم، موظف محترم، ولا شك أنه توجد فتاة في مكان ما من الأرض تستحقك، وأنت مضيع عليها حظها!
حتى البغال أحيانا تنطق بالحكم، فتاة في مكان ما من الأرض ولكن أين؟ أما عن اتهامه بالاستقامة فما هو إلا كافر فاسق سكير منافق! فتاة في مكان ما من الأرض، فلعله غير بيت جليلة بعطفة الجوهري، وهذه الآلام التي تتطاحن في قلبه ما علتها؟ والحيرة التي لا مهرب منها إلا بالخمر والشهوات! ويقولون تزوج حتى تنجب فتخلد، وشد ما طمح إلى الخلود في شتى أشكاله وألوانه، فهل يركن يائسا في النهاية إلى هذه الوسيلة الفطرية المبتذلة؟ وثمة أمل أن يجيء الموت بلا ألم يشوه راحته الأبدية، كم بدا الموت مخيفا لا معنى له؛ ولكنه - بعد أن فقدت الحياة كل معانيها - يبدو اللذة الحقيقية في الحياة، ما أعجب العاكفين على العلم في معاملهم، ما أعجب الزعماء الذين يلقون بأنفسهم في المهالك في سبيل الدستور، أما الذين يدورون حول أنفسهم في حيرة وعذاب فالرحمة لهم! وردد بصره بين أحمد وعبد المنعم في إعجاب مقرون بالغبطة. إن الجيل الجديد يشق سبيله العسير إلى هدف بين دون شك أو حيرة، ترى ما سر دائي الوبيل؟!
قال أحمد: سأدعو العروسين ووالدي وخالتي إلى لوج في الريحاني الخميس القادم.
Halaman tidak diketahui