172

Sukkariyya

السكرية

Genre-genre

فقال حسين بكآبة: لم تمكث أختي معه في هذه الرحلة إلا شهرا واحدا، ثم عادت بمفردها ... (ثم بصوت منخفض) يرحمها الله! - هه؟!

ندت عن كمال في صوت ترامى إلى الموائد القريبة من حولهم، فنظر إليه حسين كالداهش وقال: لم تكن تدري! لقد ماتت منذ عام! - عايدة؟!

فهز الآخر رأسه بالإيجاب. وفي نفس الوقت خجل كمال من نطقه الاسم مجردا بصوت مسموع، ولكنه لم يقف عند هذا إلا أقل من لحظة. وبدت الألفاظ جميعا وكأن لا معنى لها. وشعر بدوامة الفناء تدور برأسه. وكان ما به دهشة وارتياع. لا حزن ولا ألم، وتكلم أخيرا فقال: يا له من خبر محزن، البقية في حياتك!

فقال حسين: عادت من إيران وحيدة، ومكثت مع أمي شهرا، ثم تزوجت من أنور بك زكي كبير مفتشي اللغة الإنجليزية، ولكنها لم تعاشره إلا شهرين، ثم مرضت، ثم توفيت في المستشفى القبطي.

كيف لرأسه أن يتابع هذه الأحداث في سرعتها الجنونية! ولكنه يقول أنور بك زكي، وهو المراقب الأعلى لهيئته التعليمية. ولعله تشرف بمقابلته مرات وهو زوج لعايدة. رباه ... إنه ليذكر الآن أنه شيع جنازة حرم المراقب منذ عام أفكانت هي عايدة؟! ولكن كيف لم يلتق بحسين؟! - هل حضرت وفاتها؟ - كلا، توفيت قبل عودتي إلى مصر ...

فقال وهو يهز رأسه تعجبا: لقد سرت في جنازتها وأنا لا أدري أنها أختك! - كيف؟ - علمت في المدرسة ذلك اليوم بأن حرم كبير المفتشين قد توفيت وأن الجنازة ستشيع من ميدان الإسماعيلية، فذهبت مع زملائي المدرسين دون أن أطلع على النعي في الصحف، وسرنا بين المشيعين حتى جامع جركس، كان ذلك منذ عام ...

فابتسم حسين ابتسامة حزينة وهو يقول: سعيكم مشكور ...

لو وقعت هذه الوفاة عام 1926 لجن أو انتحر، اليوم تمر به كخبر من الأخبار، ومن عجب أن يشيع جنازتها وهو لا يدري، وكان وقتذاك ما يزال أسيرا لمرارة التجربة التي تخلفت عن زواج بدور، فلعل صاحبة النعش طافت برأسه فيما طاف به من خواطر بدور وأسرتها، وما زال يذكر يوم الجنازة حين تقدم من أنور بك زكي معزيا ثم جلس بين المشيعين، قالوا: قياما لقد حضر النعش، فمد عينيه فرأى نعشا جميلا مكللا بالحرير الأبيض حتى تهامس بعض زملائه أنها عروس ... الزوجة الثانية للمفتش ... وقد ذهبت ضحية للالتهاب الرئوي، وودع النعش وهو لا يدري أنه يودع ماضيه، ومن كان زوجها؟ رجل فوق الخمسين ذو زوجة وأبناء فكيف رضي به ملاك الزمان الخالي؟ وكنت تظنها فوق الزواج فإذا هي تعنو للطلاق ثم تقنع بنصيب الزوجة الثانية! وسوف يمضي وقت طويل قبل أن يسكن جيشان هذا الصدر لا من الحزن أو الألم ولكن من الذهول والدهشة، ومن خلو العالم من مباهج الأحلام، ومن ضياع سر الماضي الساحر إلى الأبد، وإن كان ثمة حزن فعلى أنك لم تحزن كما كان يجدر بك! - لكن ماذا غير حسن سليم!

فهز حسين رأسه بازدراء وقال: عشق الوغد موظفة بمفوضية بلجيكا بإيران فغضبت المرحومة لكرامتها وطالبته بالانفصال ... «مما يعزي المرء في مثل هذا الموقف أن بديهيات إقليدس لم تعد بالبديهيات المطلقة!» - وأولادها؟ - عند جدتهم لأبيهم.

وهي أين هي؟ وماذا جد عليها في هذا العام؟ وهل يمكن أن يعرفها فهمي أو السيد أحمد عبد الجواد أو نعيمة؟

Halaman tidak diketahui