Sudan
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Genre-genre
لقد سئلت أحيانا: لماذا لا تتحمل الخزانة البريطانية قسما من نفقات الإدارة في السودان ما دامت الراية البريطانية تخفق إلى جانب الراية المصرية على ربوعه؟ وهو سؤال طبيعي، ولكن الإجابة عليه سهلة جدا على جميع الواقفين على تاريخ اتفاق 19 يناير سنة 1899 الذي بموجب نصوصه أوجدت للسودان حالة سياسية خاصة. وذلك أن حكومته شكلت لغرض صريح، وهو إنقاذ السودان - وبناء على ذلك إنقاذ مصر - عند حكمها تلك المديريات من جميع تلك الأوضاع الدولية المعرقلة التي لها النصيب الأوفر في تعقيد الإدارة في مصر، ولولا هذا الاعتبار لما كان لرفع الراية البريطانية على الخرطوم - من وجهة النظر البريطانية - من سبب أدعى إلى رفعها على أسوان أو طنطا.
وفوق كل ما تقدم كيف كان بالإمكان أن يشرك اتفاق 1899 إنكلترا مع مصر في السيادة على السودان؟ فليس إرسال بعض الجنود الذين لم يتجاوز عددهم الألفين ولا إنفاق بعض المال القليل مما يسوغ مثل هذه الشركة. فإذا كان العون الاختياري يخول من ذاته حقا ما، فإن الواجب أن يكون لمصر حق في سوريا وفلسطين؛ لأنه بفضل رجال مصر وسككها الحديدية وموانيها وإمدادها الجيش الإنكليزي بالأكل والماء والمعدات من كل نوع سهل فتح تلك البلاد، وأنفقت مصر أكثر من أربعة ملايين جنيه من المال فوق الفرق في أثمان ما جمعه الجيش الإنكليزي، حتى إن هذا الفرق بلغ في القطن وحده الملايين دون حسبان الحبوب من كل صنف والمواشي التي نقصت الثلث مدة الحرب.
وقد اعترف المارشال اللنبي بقيمة المساعدة المصرية إبان حملة فلسطين وسوريا، وورد في تقرير اللورد ملنر قوله: «ليس من العدل إلا أن نذكر الخدمات التي أداها فيلق المتطوعة المصرية، فإن قيمتها كانت فوق التقدير، ولم تكن عنها مندوحة لفتح فلسطين.
إنه كان لمصر على إنكلترا دين أدبي لتساعدها على استعادة السودان. أو لم يكن إخلاء السودان بفعل ضغطها على مصر؟ ألم تكن إنكلترا بمثابة القيمة على مصر؟
فقد قال السير إدوارد غراي أمام مجلس النواب الإنكليزي في 28 مارس 1895: «إن إنكلترا تشغل من وجهة الدفاع عن مصالح مصر المركز الخالص للقيم، فمطالب مصر لم نسلم بها نحن وحدنا، بل سلمت بها أيضا وأثبتتها كل الثبوت الحكومة الفرنساوية.» •••
وفضلا عن أن النيل هو رباط الحياة بين القطرين، فإن هناك اعتبارات اقتصادية تربط السودان بمصر.
فالسودان بلاد لا تزال بكرا، وتجارته معدة للنمو، وحاصلاته للزيادة بسرعة؛ نظرا لسعة أراضيه وخصبها. فإذا كان له منفذ إلى البحر في پور سودان؛ فإن هذا الميناء لا يستطيع وحده تصريف تجارة هذه البلد عندما تنال بعض التقدم.
وفي مصر سيمر دائما شطر كبير من بضائع السودان، لا سيما إذا بدت المزاحمة في تجارة تلك البلاد، فإنه حينئذ تفضل الطريق الأخصر. وأكبر شطر من اتجار السودان هو الآن مع مصر. وسيظل دائما كذلك، ومصر هي في العالم من البلاد التي يزدحم سكانها، وهؤلاء السكان يزيدون زيادة سريعة، وقد أخذت أرضها تعجز عن أن تكفي هؤلاء السكان، وبعد بضع سنين تصبح هذه المسألة من المسائل الاجتماعية المتحرجة التي يقضى على السلالة الآتية حلها، فليس في الأرض مكان معد بذاته لقبول زيادة السكان في مصر غير السودان، فهو بلاد متاخمة لمصر وبلاد زراعية بحتة ومتصلة بمصر بروابط من كل نوع.
ومن جهة أخرى إن من المبدأ المسلم به من الجميع الآن، والذي كان مرشدا وهاديا لسياسة الإنسانية بعد الحرب الكبرى مبدأ الجنسية المنحصر في تأليف وحدات سياسية من الطوائف المتجمعة إذا كانت من عنصر واحد. وهذا المبدأ ينطبق على مصر والسودان؛ لأن غالبية السودان من العنصر العربي يتكلم لغة المصريين وله دين غالبيتهم ومتخلق بأخلاقهم. (8-2) بحث في حالة السودان السياسية: بقلم صاحب الدولة حسين رشدي باشا
إن اتفاق1899 - بين الحكومة المصرية والحكومة الإنكليزية - هو اتفاق في نظر المصريين باطل وفي نظر الإنكليز صحيح ترتبط مصر بأحكامه.
Halaman tidak diketahui