Sudan
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Genre-genre
فأجاب سموه: إنني أبديت في حديثي الأخير معكم أن الوقت لم يكن مناسبا للمفاوضة والحياة النيابية معطلة. ولا زلت أقول هذا القول رغم ظهور مشروع الاتفاق الأخير، ورغم اعتقادي فيه أنه أفضل مشروع قدمته إنكلترا لمصر إلى الآن؛ إذ لو حصلت المفاوضة والبلاد محكومة بحكومة نيابية، لجعلت المفاوض المصري أقوى منه وهي محكومة بغير هذه الحكومة. ولم أقل هذا القول في حينه إلا لهذه الغاية التي نظرت فيها إلى مصلحة مصر دون أي اعتبار آخر. فالمفاوض الذي تزوده الأمة بثقتها وتمده بقوتها، أصلح لهذا الشأن ممن لا يستمد القوة إلا من نفسه، وهذا من البداهة بحيث لا تصلح المجادلة فيه.
أما وقد حصل ما حصل وجاءنا دولة رئيس الوزارة بهذا المشروع الذي يفضل جميع ما سبقه من المشاريع، وأصبحنا به أمام أمر واقع، فالواجب يقضي بشكره والثناء على نتيجة جهوده، ولذلك لا يسعني إلا أن أشكره بل وأهنئه على حظه الحسن، وهذا هو رأيي في هذا المشروع إجمالا.
فرجوت سموه التفصيل، وسألته زيادة البيان.
فتفضل سموه وأجابني بقوله: إن هذا المشروع حسن في جملته، وهو من حيث مصر مقبول بعد أن تفسر بعض نقطه الغامضة وتحدد تحديدا دقيقا حتى تكون بمأمن من التأويل الذي هو عادة في مصلحة القوي. وهذه وظيفة البرلمان الذي سيعرض هذا المشروع عليه فيضع له من التحفظات ما يجعله أقرب إلى مصلحة مصر، مثل قصر معونتنا لإنكلترا على أن تكون داخل حدود بلادنا، وتقدير قيمة الثكنات التي تلزمهم للمحافظة على قناة السويس بمبلغ معين من المال، إلى غير ذلك مما يجعلنا بمنجاة من تحمل ما لا طاقة لنا بتحمله، ويدنينا مسافة أخرى من الاستقلال الصحيح في شؤوننا الداخلية والخارجية.
وأما من حيث السودان، فإن هذا المشروع هو المشروع الذي تناول مسألتة دون المشاريع السابقة التي أرجأت مسألة السودان إلى اتفاق آخر فيما عدا ضمان إنكلترا لنصيب مصر فيه من الماء، ولكنه مع ذلك لم يخط بنا نحو حقوقنا إلا خطوة قصيرة جدا، فأرجعنا فيه إلى اتفاقية سنة 1899، وهي اتفاقية أبنت بطلانها فيما كتبته عن السودان من قبل؛ لأنها كاتفاقية الوصي مع القاصر على مافيه المصلحة له والضرر لمحجوره. ومع أننا لا نعترف بهذه الاتفاقية المجحفة بحقنا الشرعي في السودان، فإن هذا المشروع لم ينلنا ما نرمي إليه وما يستفاد من نصوصها التي قالت إنكلترا ولا زالت تقول: إنها تحترمها. وقالت وزارة العمال أخيرا: إنها متمسكة بها هي واتفاقية القنال.
وإن كل مطلع على المادة (13) من مشروع الاتفاق الأخير ليدهش أعظم الدهش مما جاء بعد ذلك في هذا المشروع تفسيرا لرجوع الحالة في السودان إلى اتفاقية سنة 1899، وجوابا على خطاب رئيس الوزراء بشأن رجوع الجيش المصري إلى السودان بناء على هذه الاتفاقية، ألا وهو قول وزير الخارجية الإنكليزية:
إذا نفذت المعاهدة بالروح الودية التي تفاوضنا بها في الاقتراحات كما ترجو، بإخلاص، حكومة جلالته البريطانية ببريطانيا العظمى وشمالي أرلندا، فإن الحكومة تكون مستعدة لأن تفحص بروح العطف الاقتراح بشأن عودة أورطة مصرية إلى السودان في الوقت الذي تسحب فيه القوات البريطانية من القاهرة.
فإذا كان هذا هو تفسير المادة (13) المتعلقة بعودة السودان إلى ما كان عليه حسب اتفاقية سنة 1899 ونحن بعد لم نبرم الاتفاقية الأخيرة فماذا، إذا، يكون تفسيرها بعد إبرامها؟
إن إنكلترا إذا كانت صادقة النية في احترام اتفاقية سنة 1899 فعليها:
أولا :
Halaman tidak diketahui