Sudan Misri
السودان المصري ومطامع السياسة البريطانية
Genre-genre
والسادس:
تمهيد طريق التجارة بين مصر والسودان؛ لأن التجار المصريين كانوا يلقون مشقات عظيمة في معاملة بلاد السودان، بل كانوا عرضة للأخطار الشديدة.
والسابع:
إتمام تأليف المملكة المصرية بضم سوريا وبلاد العرب إليها بعد ضم السودان منبع النيل.
فبدأ عمله بإرسال وفد في سنة 1812 إلى ملك سنار يتودد إليه، ويطلب منه طرد المماليك الذين لجأوا إلى بلاده، وزود ذلك الوفد بالهدايا والتحف النفيسة، وأرسل مع الوفد أناسا من رجال الحرب والعلم فكتبوا له التقارير الضافية ووضعوا الخطط لفتح السودان، وفي سنة 1816 أرسل وفدا آخر برئاسة كايو الفرنساوي للوقوف على معادن الذهب في جبل زباره ومعه الفنيون لوضع خريطة البلاد، فلما أتم ذلك كله وجه ابنه الأمير إسماعيل على رأس جيش ضخم لفتح سنار وزوده بالهدايا، وأوصاه بأن يدخل في طاعته البلاد بلا حرب، وأرسل معه وفدا من العلماء؛ ليرشدوا الناس، ويحببوا إليهم هذه الطاعة، فنجح نجاحا كبيرا، فإن بلاد النوبة سلمت بلا قتال، ولم يقع فيها ما يستحق الذكر من سنة 1820 إلى 1885 سوى ثورة حسن وردي الكاشف فإنه بعد تقديم الطاعة للأمير الذي ولاه على بلاد السكوت بين حلفا ودنقلة قتل بعض رجال الحامية المصرية وامتنع بقلعة هناك مع عبيده فأرسل محمد علي قوة من مصر حصرته في القلعة ونسفتها بالبارود.
وكان ملوك تلك البلاد وزعماؤها يتقدمون إلى الأمير إسماعيل طائعين إلى أن وصل إلى كورتي فوجد أمامه ثلاثة من ملوك الشايقية يريدون قتاله فمزق شملهم، وواصل سيره وهو يتقبل طاعة الملوك، ويقرهم على بلادهم، ويعزز جيشه بقوة من رجالهم، وكانت تلك القوة السودانية أول نواة الجيش السوداني الذي ظل شطرا من الجيش المصري إلى اليوم، وفي 28 مايو 1821 دخل الأمير إسماعيل الخرطوم، وكان قد أرسل إلى الملك بادي ملك سنار يدعوه إلى الطاعة فأجابه جوابا جافا؛ لأن المماليك الذين فروا من مصر سلموا جيش ذلك الملك ستة مدافع أخذوها معهم، فزحف الأمير إسماعيل قاصدا سنار ، وقبل أن يصل قدم له ملكها الطاعة فدخل العاصمة في 12 أكتوبر 1821، وأعلن العفو العام، وبذلك تم فتح البلاد، وأحصى عدد السكان والعبيد والدور والمواشي؛ ليقف على موارد السودان من كل وجه، ولما وصل الخبر إلى محمد علي أرسل ابنه إبراهيم لمساعدة أخيه إسماعيل على تنظيم البلاد، وأمره بمواصلة الزحف حتى منابع النيل؛ لأن الوصول إليها وامتلاكها هو الغرض الأول والأسمى من امتلاك السودان، فاتفق الأميران على إعادة تنظيم الجيش وقسمه قسمين؛ قسما يواصل الزحف على النيل الأزرق لاكتشاف منبعه واكتشاف معادن الذهب في بلاد شنقول، وقسما يواصل الزحف على النيل الأبيض فسار الأمير إسماعيل قاصدا بلاد فازوغلي، وسار الأمير إبراهيم قاصدا بلاد الدنكا، وظل ديوان أفندي محافظا لسنار، ولما وصل إبراهيم إلى جبل القربين أصيب بالدوزنتاريا فعاد إلى مصر، وتولى القيادة سلاح داره طوسون حتى وصل إلى آخر بلاد الدنكا، وأتم الأمير إسماعيل فتح بلاد فازوغلي وبحث كايو عن معادن الذهب في شنقول فتبين له أنها قليلة التبر، وفي أثناء غياب الأمير إسماعيل عن سنار اتفق حاكمها ديوان أفندي وكاتبه المعلم حنا على ضرب الضرائب على الأهالي فهاجوا، ولما بلغ الأمير إسماعيل الخبر عاد مسرعا وأبطل الضرائب وعفا عن الثوار.
وكان محمد علي قد أعد في الوقت ذاته جيشا لفتح كردوفان بقيادة صهره محمد بك الدفتردار، وكانت كردوفان تابعة لسلطنة دارفور فقاتله حاكمها قتالا شديدا فكسره ودخل الأبيض عاصمتها، وتقدم إلى دارفور لفتحها، وقبل أن يصل إلى دارفور بلغ الأمير إسماعيل وهو في سنار أن الملك نمرا ملك السعداب في شندي يتحفز للثورة، فجاء شندي في ديسمبر سنة 1823 وأحضر الملك نمرا وتهدده وضرب عليه جزية، فأظهر الرجل الطاعة، ولما جن الليل جمع عبيده ووضعوا الهشيم حول المنزل الذي ينام فيه الأمير إسماعيل ورجاله وأضرموا فيها النار فماتوا جميعا وفر الغادر، فأخذ القواد يؤدبون الذين اشتركوا بهذه الجريمة، وأسرع الدفتردار من كردوفان للانتقام من الملك نمر ففر من وجهه فأدب شركاءه أشد تأديب، ولجأ الملك نمر إلى بلاد الحبشة حيث مكث إلى عهد سعيد باشا الذي عفا عنه.
وعاد الدفتردار إلى مصر فعين محمد علي الميرالاي عثمان بك أول حاكم على السودان في سنة 1825 وخلفه محو بك سنة 1826 ثم خورشد باشا الذي أمر ببناء الخرطوم والمدن الأخرى بالطوب، ووسع الفتح في جهات الحبشة، وجعل القلابات مركزا كبيرا للتجارة، وبنى المساجد والمدارس الابتدائية وعلم الناس لبس القماش وكانوا يلبسون الجلود، وفي سنة 1830 فتح بلاد الشلوك وفي سنة 1835 نظم المحاكم، وقرر أن تقدم كل قبيلة عددا من العبيد للخدمة في الجندية.
وفي سنة 1839 خلفه في حكم السودان أحمد باشا أبو ودان، وزار محمد علي تلك البلاد فسافر من القاهرة في 15 أكتوبر من تلك السنة فوصل إلى الخرطوم في 23 نوفمبر وأقام فيها 22 يوما، ثم ذهب إلى فازوغلي وكان قد شيد قصرا في فامكه فأقام فيه وهو ينظر في أمور تلك البلاد وينظمها وأعلن إبطال النخاسة، ثم عاد إلى مصر فوصل إلى القاهرة في 14 مارس سنة 1840، ودخلت كسله في حكم السودان الذي قسم إلى سبع مديريات، وخلف أحمد باشا أبو ودان أحمد باشا المناكلي سنة 1844 ثم خالد باشا من سنة 1846 إلى 1850 وكان إبراهيم باشا قائما بإدارة الملك مقام أبيه محمد علي فمات في 10 نوفمبر سنة 1848، وفي 2 أغسطس سنة 1849 مات محمد علي فأقيمت عليه المناحات في جميع أنحاء السودان، وفي سنة 1850 على عهد عباس باشا الأول عين عبد اللطيف باشا حاكما فأسس رفاعة بك وبيومي بك المدرسة الكبرى في الخرطوم، ثم عين رستم بك حاكما على السودان، وطلب قنصل إنكلترا من عباس باشا الذي خلف جده إرسال بعثة لدرس أحوال السودان فأرسلت البعثة برئاسة المستر مري، وكان هذا الرجل ذا نفوذ كبير على عباس الأول، وهذه البعثة هي أول بعثة إنكليزية للسودان، وفي سنة 1854 توفي عباس باشا وتولى سعيد باشا فعين حاكما على السودان علي چركس باشا، وزار السودان حليم باشا ابن محمد علي فأقام مدة طويلة، ثم زاره سعيد باشا ذاته فوصل إلى الخرطوم في 16 يناير سنة 1857 فنظم البلاد، ورتب البوستة بين مصر والسودان، وأنزل الضرائب، وحرم على الجند تحصيلها، وألف في الخرطوم مجلسا شوريا من أعيان البلاد يجتمع مرة في السنة للنظر في شئون البلاد وإصلاحها، وأعلن إبطال الرق، وكلف مونجل المهندس الفرنساوي برسم خط السكة الحديدية بين حلفا والخرطوم، وعلى عهده عاد الملك نمر وجماعته من بلاد الحبشة، وطلبوا الأمان فأمنهم سعيد باشا وأعاد إليهم أملاكهم.
وفي 17 يناير سنة 1863 توفي سعيد باشا وخلفه إسماعيل باشا فاهتم بالسودان اهتماما كبيرا، وعلى عهده تمت الفتوحات الكبيرة، ومد رواق مصر وسلطانها إلى ما وراء خط الاستواء، ودخلت زنجبار وأوغندا تحت حماية مصر، وبدأ بمد الخط الحديدي من حلفا وسواكن، وامتلك سواحل البحر الأحمر، واكتشف معادن البترول والرصاص والحديد، وفتح دارفور، وضرب المثل بشمول الأمن والراحة لبلاد السودان.
Halaman tidak diketahui