Sudan Misri
السودان المصري ومطامع السياسة البريطانية
Genre-genre
ولما وصل إلى الخرطوم فعل الفعل ذاته، ثم زاد على ذلك أنه جمع دفاتر المالية وأحرقها أمام الجمهور؛ ليزيد في ثقة السودانيين، وفي إضعاف قلوب المصريين.
ثم أخرج العساكر المصرية من الخرطوم، وألف مجلسا من السودانيين لحكم البلاد، وبعد ذلك أرسل ستيوارت باشا وكيله ليرى كيف كان وقع عمله في البلاد فوجد أن الثورة عامة وليس لها رأس، وأن المهدي لا يريد مخاطبة الإنكليز والاتفاق معهم كما كان يأمل حين نادى به سلطانا على دارفور وكردوفان فأخذ يبحث عن رجل قوي يوليه الحكم ويتفق معه، فطلب الزبير باشا من مصر ووعده بمنحه رتبة الفريق والنيشان العثماني، وراتبا سنويا قدره 6000 جنيه، وأن تعطيه الحكومة المصرية كل سنة مليونين ونصف جنيه لمدة سنتين، وأن تترك له سلاحها وذخائرها، وأن يكون له جمرك سواكن فلم يقبل الزبير، ولم يسلم الإنكليز مخافة أن يكون كالمهدي أو ينضم إليه، فقرروا ترك الفوضى تأكل السودان إلى أن يستعيدوه، ولكن مركز غوردون تحرج، ولم يستطع الخروج من السودان فذهب ضحية السياسة مع من ذهبوا مع الإمبراطورية المصرية السودانية التي هدموها.
ولما عثروا على مذكرات غوردون وأعادوها إلى أهله نزعوا منها التعليمات التي تفضح السياسة، فطبعت تلك المذكرات وفيها خمس صحائف بيضاء.
حاولت الحكومة الإنكليزية بعد حصار الخرطوم إنقاذ غوردون فألفت حملة بقيادة اللورد ولسلي، وقالت في الأوامر الصادرة إليه: «إن الغرض إنقاذ غوردون وستيوارت، فمتى تم ذلك لا يجوز القيام بأعمال أخرى» فاستخدم ولسلي الجيش المصري و9 آلاف من الجيش الإنكليزي و900 زورق نيلي، وقامت الحملة في 27 سبتمبر 1884 وسارت متقدمة، ولكن الخرطوم سقطت في 26 يناير 1885، ووصل السير تشارلس ويلسون إليها بوابورين عند ظهر 28 يناير، ولما عرف الخبر عاد راجعا إلى اللورد ولسلي الذي أقلع بحملته إلى مصر، وهكذا تم جلاء المصريين عن السودان، ولم يعش محمد أحمد بعد سقوط الخرطوم سوى 5 شهور فتوفي في 14 يونيو 1885، وخلفه عبد الله التعايشي الذي استعاد الجيش المصري السودان من يده سنة 1898 أي بعد 16 عاما لم ينقطع فيها القتال يوما واحدا بين المصريين وثوار السودان على الحدود، وما كان عبد القادر باشا يطلب منهم لإخماد الثورة نصف ما عرضوه على الزبير باشا ولا عشر معشار ما حملوا مصر من الأعباء بعد ذلك ليستعيدوه لأنفسهم لا لمصر؛ فقد كانت الوقائع الشديدة بين الجيش المصري وثوار السودان 24 واقعة، وكانت الوقائع لاستعادة السودان 11 واقعة، والإعانة التي تقدمها مصر للسودان بعد استعادته 460 ألف جنيه في السنة ما عدا الجيش والوابورات والموظفين الذين يتناولون رواتبهم من الخزانة المصرية.
ولكن مجلس الشورى يقرر عند دفع الأموال «من حيث إن السودان جزء من مصر لا يجزأ فهو يوافق على دفع مبلغ كذا، إلخ.»
هوامش
الزبير رحمة
من قبيلة الجميعاب (نسبة إلى جميع العباسي) وهي قبيلة مشهورة بالشجاعة عاهدت الأمير إسماعيل بن محمد علي يوم فتحه السودان، وثبتت على ولاء الأسرة العلوية، وقد كان للزبير شأن يذكر في تاريخ السودان، بدأ حياته بالتجارة ثم سافر مع ابن عمه إلى بحر الغزال في خدمة التاجر المصري علي أبي عموري من نجع حمادة سنة 1856 وكان التجار المصريون هناك كثيرين وكل تاجر منهم يبني زريبة من الشوك يخزن فيها بضائعه، فهاجم الأهالي هذه الزرائب لنهب البضاعة، فدافع الزبير عن زريبة علي أبي عموري فهابه الأهالي وذاع أمره فانفرد بتجارته وربح، وزاد طمعه فأوغل بالبلاد إلى حيث لم يصل التجار، ثم قصد إلى بلاد النمانم حيث تزوج من بنت سلطانها فزادت تجارته، وابتاع من ملك النمانم 500 شاب دربهم على حمل السلاح، وكان هؤلاء الشبان من المحكوم عليهم، وعادة أهل البلاد أن يذبحوهم ويأكلوا لحومهم، فخشي الملك حموه بطشه، فخرج الزبير إلى ملك آخر هو عدو حميه، فأرسل حموه رجاله للفتك به في الطريق فتغلب عليهم، ولما لجأ إلى الملك الثاني جهز حموه جيشا لقتاله، ففر هذا الملك من وجهه، واضطر الزبير أن يلجأ إلى بلاد قولو، وملكها يومئذ «عدوه شكو» الذي قتل أخا للزبير، فقامت الحرب بينهما فقتل الملك وابنه، وصار الزبير ملكا على تلك البلاد، وسمى عاصمة ملكه ديم الزبير. ثم عاهد عرب الزريقات، وفتح طريق التجارة بين بحر الغزال وكردفان، وفي سنة 1869 وصل إلى بحر الغزال الحاج محمد السلامي المغربي ومعه 200 جندي سوداني بقيادة محمد أفندي منيب و400 من الباشبوزق و600 من الخطرية فقاتلهم الزبير وانتصر عليهم، وكان والي السودان يومئذ جعفر باشا مظهر.
ولما رأى ملك النمانم اتساع ملك الزبير أرسل إليه يهدده إن لم يترك الملك ويعود إلى التجارة فأبى، فقامت بينهما الحرب التي انتهت بانتصار الزبير فضم بلاد النمانم، وكان الزريقات قد نقضوا العهد وقطعوا الطريق فاستنجد عليهم سنة 1873 بسلطان دارفور فلم ينجده فقاتلهم وكسرهم وأسر فقيههم عبد الله التعايشي فمنعه المشائخ من قتله، وعبد الله هذا هو الذي صار خليفة للمهدي وحاربه الجيش المصري وفر من أم درمان فأدركه الجيش المصري في مكان يسمى جديد في 24 نوفمبر 1899 وفتك بمن معه، أما هو وأصحابه فإنهم لما أيقنوا بالهلاك فرشوا فريهم وجلسوا ينتظرون الموت فلم يكن بعيدا منهم بل جاءهم مسرعا.
وبعد فتح كردوفان أرسل الزبير إلى إسماعيل باشا أيوب حكمدار السودان يطلب منه أن يرسل من يستلم البلاد التي فتحها، فجاءه الرد منه بأن سمو الخديوي أنعم عليه بالرتبة الثانية، وولاه تلك البلاد مقابل 15 ألف جنيه يدفعها كل سنة، ثم دارت الحرب بينه وبين سلطان دارفور، فأوتي النصر، وأرسل أولاد سلاطين دارفور إلى مصر، ثم حدث خلاف بين حكمدار السودان والزبير، فجاء الزبير مصر سنة 1875، ورافق الجيش المصري في حرب روسيا، وفي أثناء ذلك ثار ابنه سليمان على الحكومة، فأرسل غوردون جسي بك لقتاله فقتل سليمان، وفي سنة 83 انتدب لقتال عثمان دقنه في طوكر فبعد أن جمع ألايا من السودانيين بمصر عدل؛ لأنه أبى أن يكون تحت إمرة باكر باشا، وفي سنة 84 استدعاه غوردون لاستلام البلاد السودانية على ما مر فرفض؛ لأن الإنكليز أهانوه بوصفه أنه نخاس، وفي سنة 85 نفي إلى جبل طارق بتهمة مراسلة المهدي فظل هناك 30 شهرا، ثم أفرج عنه وعينت له الحكومة راتبا شهريا قدره 289 جنيها تناوله حتى وفاته، وكان يطالبها بمبلغ مليون جنيه، وبعد استعادة السودان أعيد إليه كثير من أملاكه.
Halaman tidak diketahui