وبينا هو في الحديث إذا بصاحبنا الذي وضعه على طاولة التشريح يقرع الباب ويدخل، فقال في سره: يا مسا القرد! ثم نهض أبو عزيز يعانقه حتى كاد يخنقه، وبعد أن جلس أطرق أبو عزيز هنيهة ثم رفع رأسه وحدق إلي بعينيه البيضاوين وقال مشيرا إلى صاحبي: هذا صديق لا يثمن، وهنيئا لمن عنده صاحب مثله، ليت لنا في جيراننا وأهلنا واحدا مثله! الأقارب عقارب كلهم يشتهون لنا الضرر، ويفرحون في قلوبهم حين تصيبنا مصيبة، هل سمعت في عمرك ودهرك أن من نقاسمه اللقمة إذا اعتاز يتمنى أن تكون فقيرا مثله؟! هؤلاء أقاربنا وجيراننا.
فقلت له: ولكن ابن عمك بطرس رجل طيب يا بو عزيز.
فقال: «بلا طيب بلا بلوط، ليس في الحيات صالحات، خبيث قلبه أسود مثل الزفت!»
وهكذا قضى صاحبنا السهرة الطويلة ولم يقف لسانه لحظة، كان ينتقل بسرعة من ظهر إلى ظهر ومن قفا إلى قفا، لا يهدأ كأن محركا يديره. ولما طالت الجلسة نهض صاحبنا الذي أرسله الله لإنقاذي وقال: «تفضل نم عندنا يا بو عزيز.»
فضرب براحته الأرض وقال: «نومتي هنا.»
وما ذكر كلمة النوم حتى نهضت وقلت: «دله على الغرفة يا ...»
وفي الصباح أراد أن يجرش عظام من بقي ممن يعرفهم ونعرفهم فما أفسحت له مجالا، ونويت إذا ما عاد إلى مثلها أن أعمل كما عمل عبد الملك بن مروان؛ قال له رجل: «إني أريد أن أسر إليك شيئا.»
فقال عبد الملك لجلسائه: «إذا شئتم.»
فنهضوا، وأراد الرجل الكلام فقال له عبد الملك: «لا تمدحني فأنا أعلم بنفسي منك، ولا تكذبني فإنه لا رأي لمكذوب، ولا تغتب عندي أحدا.»
فقال الرجل: «يا أمير المؤمنين، أفتأذن لي بالانصراف؟»
Halaman tidak diketahui