156

Subul Wa Manahij

سبل ومناهج

Genre-genre

صح النوم أيها الساهي في ليالي المقاهي والمراسح، أمامك الكأس وإلى جانبك حسناء (سكوند هند) تغريك وتغويك، ألهذا اللهو وحده خلقت؟! ومن قال لك إن الحياة لهو فقط؟ أتجهل أن للإنسانية عليك ديونا مستحقة، وللوطن فروضا لا بد لها من وفاء؟

هب أنك أعلنت إفلاسك لتأكل هذا الدين العام، فكيف تهرب من الدين الخاص؛ دين أم سهرت عليك ودين أب جاهد وكد ليصير ابنه رجلا؟ ولنفرض أنه لا يهمك أمر غيرك أفلا تعلم - هداك الله - أن من يكلل شبيبته بالورد يكلل شيبته بالشوك، ومن يزرع الكسل والطيش يحصد الخيبة والذل؟ فاستفق - يا رعاك الله - من سكرة الجهل، فمستقبلك يظل مظلما إذا لم ينبثق نجم اجتهادك، اخلع عنك ثوب التواني واعمل، وإذا لم تنفع ذويك فلا أقل من أن لا تظل عيلا عليهم.

المستقبل طريدة لا يقتنصها إلا الجاد الكادح، فهل نلام إذا أيقظناك من رقدتك؟ فلو أننا بقينا في جنة عدن متنعمين بأطايب تفاحها ورمانها وعنبها وتينها، لضربنا على غير هذا الوتر من أوتار عود الحياة، ألسنا في عصر الجوخ لا ورق التين؟

ولو كنا لا نزال نعيش في عصر البداوة، لما حذرنا أحدا من الشبان وحثثناه على ترك العبث والمجون.

ولو كنا في أرض تدر علينا لبنا وعسلا، وكان لنا موسى ثان له رب يمطر المن والسلوى، لكان لنا سلوى عن العمل، ولكن هذاك عصر مضى وراح، وعقبه هذا العصر الذي تفنن به الإنسان في أعماله، فكثرت مطالب الناس واقتضتهم المدنية الحديثة ما لم تطالب به جدودهم، فلماذا لا يكون وقتك مقسما على حد قول المثل: «ساعة لك وساعة لربك»؟

كان للهو حظ كبير في الزمن الخالي، كانت الجارية تعزف على العود وتنفخ في المزمار من خلف ستار، وكان الناس يقولون ما هذا؟ أما اليوم فنراهن على الملاعب أسرابا وقد نضب ماء الحياء من وجوههن، يأتين على أعين الناس أشياء تصبي وتغوي، فصارت المسارح والسينماءات فخاخا تصطاد بها الناس، وشباكا تطرح في طرق الشباب، فالشاب الذي يستطعم مرة هذه المشاهد لا يحجم عن أن يثني ويثلث حتى يعتادها وتمسي شغله الشاغل، يضيق صدرا بالنهار ولو قصيرا، ويتمنى أن يدوم له الليل ولو جاءه منه ألف ويل ... وكم سمعناهم يرددون معتزين مبتهرين: الليل لنا.

نعم، الليل لكم، والله أسأل أن يدرككم الصبح وفيكم بقية مما حبتكم به الحياة من نشاط وعزم ...!

ولو كنا نقنع بحضور ساعة لكانت المصيبة أخف، ولكن بين شبابنا فريق يسهر الليل وينام النهار، ومتى استيقظ يبرز بأبهى زينة ويسير توا إلى القهوة، وهناك يصرف بقية نهاره لاعبا مقامرا ينتظر المساء.

وطالب العلم ينيم كتبه نومة أهل الكهف، ويسرع إلى تلك الدور حيث يسبح في جو الخيال، ويطير قلبه مع كل نغم، أقلامه في غرفته تحن إلى مصافحة الطرس، وجنابه تائه النظر شارد الفكر وراء ظبية الأنس.

أما الشاب المعروف باسم «شمام هوا قطاف ورد»، فإنه يشرف الملاهي كل ليلة. ما سمعت الطلاب يشكون غلاء الكتب، ولكنهم يشكون غلاء سعر السينما، ليس لأن الكتب رخيصة بل لأنهم أمسوا لا يسألون عنها. والأمر الذي يبكي هو أن بعض فتياننا يشتركون في هذه النوادي اشتراكا شهريا كما يشترك الأدباء منهم بالجمعيات والمكتبات، وهل تتعجب إذا قلت لك إنني سمعت أحدهم مرة يتبجح زاعما أنه اقتصد بهذا الاشتراك فربح كذا وكذا ...؟ إنه يتباهى بحنكته هذه، فيا له ذكاء يرفع صاحبه إلى أسفل!

Halaman tidak diketahui