136

Subul Wa Manahij

سبل ومناهج

Genre-genre

جاء في إحدى الأساطير ما يأتي: «قالت العاصفة للنسيم: ألا تتمنى أن تكون لك قوتي، فأنا أحطم الأشجار وأهدم البيوت وأغرق المراكب، وأجعل عالي الأشياء سافلها، فتتوارى الناس عند مروري لئلا أقتلعهم ...»

فاحمر وجه النسيم اتضاعا وتنفس، فتهلل كل شيء في الكون؛ تفتقت أكمام الأزهار، واشرأبت أعناق البراعم، وامتلأت الأرض عطرا فتزحزح الكابوس عن صدور الناس وصاحوا جميعا: ما ألطف هذا النسيم وأحلاه! وما كان أبشع تلك العاصفة!

ألا ترى أن الرجل الشرس أردأ من العاصفة؟ تتقيها بالمداراة فتتوارى حتى تمر، أما الفظ الغليظ القلب والكبد فيتبعك كظلك، وقد يترصدك ... للعاصفة مهب، وإن شئت فقل ممر، أما الرجل الشرس فيهب عليك من الجهات الأربع فأين تهرب؟

وأنت يا صاحبي، لم لا تكون نسيما؟ إنك تحصل على هذه الثروة الاجتماعية بلا رأس مال إذا أردت. ثلاثة أشياء تجعل منك رجلا لطيفا مهذبا ولا تكلفك إلا الإرادة الحسنة: إبريق ماء يجعل منك رجلا نظيفا، وتحية أو ابتسامة تجعل منك رجلا محبوبا، وكلمة اعتذار ناعمة تجعلك رجلا مهذبا لطيفا، فابتسم واعتذر لمن تؤذيه خطأ، أأنت دافع حقها؟

قال حكيم قديم: «اللطف رشوة من لا رشوة له.» إن الجواب اللطيف يا صديقي يطفئ أتونا من الغضب، فاكسر الشر بكلمة لينة، أليس استعمال لسانك أهون عليك من استعمال باعك وذراعك؟ أن تصرمني بابتسامة خير من أن تقضي لي حاجتي بوجه حامض، الابتسامة سمة الرجل المهذب، وهي المفتاح الصغير لجميع الأقفال فاجعلها عدتك، والكلمة اللينة تقيك شر الحديد والنار فلتكن ترسك، أرأيت في حياتك حيوانا يبتسم؟ فكن إنسانا، ماذا تكسب لو قطبت وجهك دهرا، وورم أنفك شهرا، وانتفخت أوداجك عمرا؟! لك الله ما أصغر عقلك إن كنت ذاك الرجل! فأقل نعت تغنمه هو: رجل فج، ناشف، حامض الوجه، مقطوع من حرش، يقول المثل الإنكليزي: «تحية اللورد فطور المجنون»، فافترض الناس مجانين وأنت لورد، وامح إساءتك إليهم بكلمة لطيفة.

كانت سيدة نبيلة تمشي في منعطف شارع معوج فصدمت شحاذا صغيرا، فوقفت في الحال تعينه على النهوض من سقطته وتعتذر إليه بحنو: عفوا يا عزيزي الصغير، إني حزينة جدا لأنني اصطدمت بك.

فحدق إليها الفتى بدهش وعلت ثغره ابتسامة لطيفة، وبعد أن مرت قال لرفيقه: هذي أول مرة أسمع فيها واحدا يعتذر لي، إن ذلك حنو منها ولو كسرت رجلي.

وبعكس هذا ما رأيته أنا مرة، صدم رجل في الشارع رجلا من الذين يتكلمون بأيديهم لا بألسنتهم، فتهيأ هذا للصراع فقال له الرجل: غصبا عني يا أخي أرجوك ... عفوا! فوضع هذا أصابعه العشرة في وجهه وصاح: اقتلني، وقل لي عفوا ...! ثم طفق يكيل له الشتائم بالمد! وقفت أتأمل الرجلين: واحدا يتفانى في الاعتذار ليكسر الشر، وآخر يتنمر ولا يشفي نفسه إلا أن يبل يده ... وأخيرا فازت الكلمة اللطيفة، وكان القول الفصل لها لا للسكين والعصا.

إن الكلام الغليظ يزيد مشقات الحياة ومتاعبها، وكثيرا ما يحول دون أمانينا من حيث لا ندري، طرقت مرة أحد الأبواب فأطلت الخادمة ، فقلت لها: معلمك بالبيت يا بنت؟ فغمغمت كلمات لم أتبينها، ثم قالت بجفاء: لأ. وردت الباب.

لقد علمتني تلك الفتاة درسا بليغا، فسرت غير سيرتي الأولى مع زميلة لها ابتدرتها بقولي: صباح النور ما مدموازل، فنكزني رفيقي ليقول لي: هذي خادمة.

Halaman tidak diketahui