بقلقشندة «١»، إحدى قرى مديرية القليوبية بالديار المصرية: من أصل عربي صميم، من بني بدر بن فزارة من قيس عيلان. وكان بنو فزارة وردوا مصر مع من وردها من العرب أيام الفتح الإسلامي وبعده، ونزلوا بإقليم القليوبية «٢» . وقد درس القلقشندي بالقاهرة والإسكندرية على أكابر شيوخ العصر، وتخصص في الأدب والفقه الشافعي، وبرع في علوم اللغة والبلاغة والإنشاء؛ وفي سنة ٧٧٨ هـ أجازه الشيخ ابن الملقن «٣» بالفتيا والتدريس على مذهب الإمام الشافعي. وقد تولى بعض الوظائف الإدراية إلى حين؛ بيد أن براعته في الكتابة والإنشاء لفتت إليه أنظار رجال البلاط، ومهدت له سبيل الاضطلاع بالمنصب الذي أهلته له مواهبه الأدبية والفنية، وهو العمل في ديوان الإنشاء. (وقد كان للمقر الفتحي بن فضل الله العمري فضل كبير على القلقشندي بهذا الصدد) . والتحق القلقشندي بخدمة هذا الديوان في سنة ٧٩١ هـ، في عهد السلطان الظاهر برقوق (٧٨٤ هـ- ٨٠١ هـ)، وذلك حسبما يقول لنا القلقشندي نفسه في مقدمته «٤» . وقد كانت لديوان الإنشاء أهمية خاصة في هذا العصر، وكان على المرشّح للعمل فيه أن يكون من أقطاب النثر والبلاغة، الذين تؤهلهم معارفهم الواسعة للوقوف على شؤون الحكم والسياسة الداخلية والخارجية وسير العلاقات الدبلو ماسية بين مصر وباقي الأمم؛ كما كان على كاتب الإنشاء أن يتحلى بمجموعة من الصفات اللازمة له: كصباحة الوجه وفصاحة اللفظ وطلاقة اللسان. وإيثارة الجد على الهزل، وتوقد الفهم وحسن الإصغاء ... كما تطلبوا فيه كتمان السرّ، الأمر الذي يصرّ القلقشندي على خطورته ويراه ضرورة لا يمكن التجاوز عنها فيمن يشغل وظيفة كاتب الإنشاء أو كاتب السرّ، فيقول عنها «هذه الصفة هي الشرط اللازم والواجب
1 / 8