إلى ما تتضمنه «الخلافة» من رمز توحيدي جامع للأمة. يقول ابن دقماق، في ترجمته للمستعصم بالله، على أثر سقوط مقر الخلافة ببغداد أمام هولاكو، بعبارة توحي بالهلع: «.. وانقطعت الخلافة من بغداد.. وبقيت الدنيا (!) بغير خليفة إلى سنة تسع وخمسين وستماية، في أيام الملك الظاهر بيبرس البند قداري» «١» الذي استقبل الإمام أبا العباس أحمد بن الإمام الظاهر فاستخلفه وثبته على رأس الخلافة.
ثانيا: وإذا كانت سلطة الخليفة- كشخص حاكم- صورية في كثير من المعاني، فإن المماليك استطاعوا أن يعززوا في الكيان الإسلامي واقع الوحدة والقوة المركزية الجامعة؛ فقد استطاعوا توحيد مصر وبلاد الشام، وأصبحت مصر في ذلك العصر تبدو في نظر كافة الدول الإسلامية في المشرق والمغرب قاعدة الخلافة العباسية والقوة الضاربة التي تذود عن الإسلام والمسلمين؛ وأخذ الحكام المسلمون يخطبون ودّها ويطلبون مساعدة حكامها ضد خصومهم وأعدائهم.
ومن ناحية أخرى بدت مصر في ذلك العصر في نظر القوى غير الإسلامية وبخاصة المسيحية صورة مركز المقاومة الإسلامية وقلب العالم الإسلامي النابض والقوة المتحكمة في أفضل طرق التجارة بين الشرق والغرب «٢» .
ثالثا: لقد شهد الشرق الأوسط، في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي، تحولين رئيسين على أيدي الدولة المملوكية هما: إبعاد خطر المغول عن بلاد مصر والشام، بعد ما أنزل بهم قطز في عين جالوت سنة ١٢٦٠ م هزيمة منكرة؛ والثاني كان القضاء على آخر معاقل الصليبيين في الشرق، وبذلك استكلموا ما كان بدأه صلاح الدين «٣» .
1 / 6