Studies in Journalistic Art
دراسات في الفن الصحفي
Penerbit
مكتبة الأنجلو المصرية
Nombor Edisi
-
Genre-genre
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
ظهرت في السنوات الأخيرة كتب عديدة تناولت بالبحث تاريخ الصحافة، وتطور الصحف، وعلاقة هذا التطور بالظروف السياسية والاجتماعية. ولكن عددا قليلا من هذه الكتب هو الذي اهتم بالصحافة كفن. وقد رأيت أن أجعل "الفن الصحفي" موضوعا لدراسة عميقة تبدأ بتعريف هذا الفن، وعرض خصائصه ومميزاته، ثم بيان قوالبه المختلفة، وأنماطه المتعددة من خبر إلى تقرير إلى مقال إلى عمود إلى تحقيق صحفي إلى حديث.
غير أن الفن الصحفي لا يقتصر على التحرير وحده، وإنما تلعب الصور والرسوم البيانية والكاريكاتورية والعناوين المنتشرة على عرض الصفحات، والعناوين الفرعية، فضلا عن الألوان وفنون الإعلان دورا هاما في إبراز الأفكار وتجسيدها، وتحويل المعلومات المجردة إلى معلومات ملموسة مجسدة. فإذا كانت النشرات العلمية، مثلا، تعنى بالجوانب الأكاديمية والنواحي النظرية من البحوث والدراسات، مما يخص العلماء والخبراء، فإن الفن الصحفي هو الذي يستطيع -بالتبسيط والتفسير والتجسيد والتشويق وجذب الانتباه- أن يعرض النظريات العلمية والدراسات الأكاديمية بأسلوب جديد شيق، يفهمه عامة الناس.
فجوهر الفن الصحفي هو الإعلام ورواية الأحداث وتفسيرها، ثم توجيه الجماهير وإرشادها، فضلا عن امتاعها وتسليتها، وذلك باستخدام الأشكال والفنون الطباعية المختلفة. ولكن بيت القصيد في كل فن صحفي يكمن في ارتباطه
1 / 3
بالجمهور. ولذلك كانت أهم خصائص الفن الصحفي معالجة الأمور الصعبة بأسلوب سهل، وتفسير الانجازات العظيمة بعبارات سلسة بسيطة.
ولكن، كيف يفعل الصحفي ذلك؟
هذا هو موضوع الكتاب الذي بين يديك. وفيه نحاول تقديم الفن الصحفي كوسيلة إعلامية من خلال الكلمة والصورة والعنوان والرسم، وعلاقة الشكل بالمضمون، مع بيان كيفية التجسيد والتبسيط التي يقوم بها الصحفي، والوسائل التي تساعده على ذلك.
ولا بد في البداية من شرح أهداف الفن الصحفي وعلاقته بالمجتمع لمعرفة الوظائف والأغراض التي ينهض لتحقيقها، ثم نتناول بعد ذلك فنون التحرير المختلفة كإعداد للمضمون، ثم فنون الإخراج المختلفة كإعداد للشكل الذي لا يمكن فصله عن المضمون.
إن الفن الصحفي في حقيقة الأمر هو الفن الإعلامي الكلاسيكي الذي تعلمت منه سائر الفنون الإعلامية الأخرى كالإذاعة والتليفزيون والسينما. فما أنجزه الفن الصحفي عبر القرون الطويلة منذ اخترع جوتنبرج المطبعة في منتصف القرن الخامس عشر حتى الآن من استخدام للحروف والخطوط والرسوم والأشكال والصور لعرض الفكر الإنساني وتبسيطه للجماهير، كان الصيغة الأساسية التي بنت عليها الإذاعة فنها المرتبط بالموسيقى والكلمة المسموعة والمؤثرات الصوتية، وكذلك التليفزيون بالصورة المرئية المتحركة المقترنة بالصوت والموسيقى، كما فعلت السينما نفس الشيء على شاشتها الكبيرة.
فالفن الصحفي -إذن- هو فن الإعلام الكلاسيكي، الذي اشتقت منه سائر فنون الإعلام الأخرى أشكالها وفنونها وأساليبها طرائقها. فالنشرات الإخبارية، والتعليقات، والندوات، والتحقيقات والصور والإعلانات والجوانب القصصية والدرامية، تشترك جميعا في الفنون الإعلامية المختلفة، ولكنها ترتكز أساسا على خبرة الفن الصحفي الطويلة والمتنوعة.
1 / 4
فالذي يميز الفن الصحفي عن سائر الفنون هو ارتباطه الوثيق بالجماهير فضلا عن عموميته، ودوريته، وعلى هذا الأساس يسعى الفنان الصحفي إلى تحويل الفكر الأكاديمي المجرد إلى عرض فني منسق يستسيغه الجمهور دون أن يهبط إلى مستوى الإسفاف والمبالغة، وهذه هي المعادلة الصعبة أو التحدي العظيم الذي يواجه الفن الصحفي الحديث.
وإني إذ أقدم هذه الدراسة للقارئ العربي أرجو أن يجد فيها معالجة جديدة للفن الصحفي. والله الموفق.
يناير سنة ١٩٧٢.
دكتور إبراهيم إمام
1 / 5
الباب الأول: ماهية الفن الصحفي
مدخل
...
الباب الأول: ماهية الفن الصحفي
الفن الصحفي فن حضاري بالضرورة. إذا كان الشعر، مثلا، يزكو ويزدهر في البيئة البدوية، حيث تسود الحضارة الشفوية، فإن الفن الصحفي، على العكس من ذلك، فن يتصل بأسباب التحضر، وينتشر أكثر ما ينتشر في المدن. فالبيئة القروية أو القبلية المحدودة تكتسب فيها المعرفة بالتجربة المباشرة والشخصية؛ لأنه إذا كان جميع أفراد مجتمع من المجتمعات معدين ليفهموا بالتجربة المباشرة ما يجري من أحداث فإن الطرق العادية للاتصال الشخصي تكفي لنشر الأخبار في هذا المجتمع، ولا يحتاج الأمر لأي وسيلة من وسائل الإعلام الحديثة.
ولكن المجتمع الذي يزداد نموه، وتتنوع تخصصاته، وتتعقد مشكلاته، لا يلبث أن يجد وسيلة الفن الصحفي ضرورة حتمية، تبعد كل البعد عن الخبرة الفردية المباشرة. ثم لا يلبث هذا المجتمع المتحضر أن تظهر فيه علوم وفنون وتخصصات بالغة التجريد والتعقيد، فيصبح الفن الصحفي حلا لصياغة المعرفة بطريقة عملية واقعية. وهكذا يكون الصحفي وسيطا اجتماعيا بين الخبير المتخصص من ناحية ورجل الشارع أو الرجل العادي من ناحية أخرى. وفي هذا الصدد يقول الكاتب الأمريكي المشهور والتر لبمان١:
"إن المجتمع الحديث لا يقع في مجال الرؤية المباشرة لأحد، كما أنه غير مفهوم على الدوام، وإذا فهمه فريق من الناس، فإن فريقا آخر لا يفهمه". وهكذا يأتي الفن الصحفي للشرح والتفسير والتكامل.
_________
١ walter lippmann، public opinion "١٩٩٢" pp. ٢٩-٨١.
1 / 7
فالفن الصحفي، إذن، هو فن حضاري، يرتبط بالتقدم العلمي، ويتطلب انتشار التعليم، لكي يجعل المجالات البعيدة والمعقدة في متناول الجمهور. والصحفي الناجح في المجتمع الحديث هو الذي يتقن مهارة الاتصال من خلال نشر الأخبار والتعليق عليها وتفسيرها، وتبسيط المعلومات وتجسيدها، وتقديم صور العالم وأحداثه بشكل واضح ومجسد ودرامي، وفي أشكال خالية من التجريد أو الأكاديمية أو التعقيد.
ولا شك أن التقدم العلمي والتكنولوجي، ومد خطوط المواصلات كالسكك الحديدية، وتمهيد الطرق، وإنشاء خطوط الاتصال التليفونية والتلغرافية واللاسلكية تؤدي بالضرورة إلى تهيئة الجو الملائم لازدهار الصحافة، ويعتبر انتشار التعليم من أهم العوامل المشجعة للفن الصحفيِ، وبدونه لا يمكن للصحافة أن تقوم لها قائمة.
بين الصحافة والتحضر: وقد قام كثير من العلماء بدراسة العلاقة بين التحضر والفن الصحفي، وتحليل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والحضارية المؤثرة على الصحافة، نذكر منهم على سبيل المثال ريموند نيكسون١، وللبر شرام٢، ولازر سفيلد٣، غير أن أشهر هؤلاء جميعا دانيل ليرنر٤، الذي بدأ دراسة ميدانية في العامين ١٩٥٠ و١٩٥١ بستة دول من منطقة الشرق الأوسط هي: مصر وتركيا وسوريا ولبنان والأردن وإيران. وقد تضمنت هذه الدراسة أجراء مقابلات مع نحو ١٦٠٠ شخص، لمعرفة أثر تعرض الأفراد للفن الصحفي، وما يترتب عليه من تكوين اتجاهات نفسية معينة. ويرى ليرنر أن التحضر اتجاه عقلي لا يتحقق إلا في المجتمعات المتطورة. ويقول أن هناك علاقة وثيقة بين التحضر والتعليم والصحافة، فالانتقال إلى المدن _________ ١ RAYMOND B. NIXON. ٢ WIBUR SCHRAMM. ٣ LAZERSFELD. ٤ DANIEL LERNER.
بين الصحافة والتحضر: وقد قام كثير من العلماء بدراسة العلاقة بين التحضر والفن الصحفي، وتحليل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والحضارية المؤثرة على الصحافة، نذكر منهم على سبيل المثال ريموند نيكسون١، وللبر شرام٢، ولازر سفيلد٣، غير أن أشهر هؤلاء جميعا دانيل ليرنر٤، الذي بدأ دراسة ميدانية في العامين ١٩٥٠ و١٩٥١ بستة دول من منطقة الشرق الأوسط هي: مصر وتركيا وسوريا ولبنان والأردن وإيران. وقد تضمنت هذه الدراسة أجراء مقابلات مع نحو ١٦٠٠ شخص، لمعرفة أثر تعرض الأفراد للفن الصحفي، وما يترتب عليه من تكوين اتجاهات نفسية معينة. ويرى ليرنر أن التحضر اتجاه عقلي لا يتحقق إلا في المجتمعات المتطورة. ويقول أن هناك علاقة وثيقة بين التحضر والتعليم والصحافة، فالانتقال إلى المدن _________ ١ RAYMOND B. NIXON. ٢ WIBUR SCHRAMM. ٣ LAZERSFELD. ٤ DANIEL LERNER.
1 / 8
يزيد من نسبة المتعلمين، وهذه الأخيرة تعني نسبة عالية ممن يقرءون الصحف، كما أن قراءة الصحف تؤدي إلى فهم أفضل للمجتمع، ومشاركة فعالة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
فالانتقال إلى المجتمع الحضري يأتي في المرحلة الأولى، وفي نطاق المدن تنشأ المدارس والمعاهد، وتمحى الأمية، فيتهيأ الجو لظهور الصحافة، ثم لا يلبث الفن الصحفي نفسه، بما له من قدرة على التبسيط والشرح والتجسيد، أن يضع في متناول الجماهير مفاهيم المجتمع الحديث. فهنا يتعاون المندوب مع المحرر مع المراجع والخطاط والرسام والمصور والمخرج الصحفي لتحويل المعرفة المجردة إلى معلومات مجسدة، والنظريات الأكاديمية إلى معلومات حية، والأفكار العامة إلى موضوعات شيقة جذابة.
ويقول ليرنر أنه حينما تصل نسبة الذين يعيشون في المدن إلى ١٠% تزداد نسبة المتعلمين بشكل محسوس لأن تطور التعليم بعد ارتفاع نسبة المقيمين في المدن ١٠% يصبح اقتصاديا. وحين تصل نسبة التعليم إلى ٢٥% تصبح أداة الاتصال في المجتمع هي الصحافة التي تؤثر بدورها على المجتمع وعلى الشخصية الإنسانية التي تتميز بالمرونة والقدرة على التصور أو التقمص الوجداني، وهذه القدرة من أهم مميزات المجتمع المتحضر -في نظر ليرنر.
فالمجتمع التقليدي البدائي يتسم بالجمود والانعزال والتمزق. جماعاته صغيرة، وقراه منعزلة، أجزاؤه متباعدة، أفراده بسطاء، وإدراكهم محدود. فهم لا يصلون إلى المعرفة إلا عن طريق التجربة المباشرة الملموسة. ولا يتصورون الانتماء إلى أمة كبيرة، وإنما يحسون بالانتماء إلى الأسرة أو القبيلة أو القرية.
والصحافة كقوة حضارية، تخلق هذه الشخصية الجديدة المرنة، القادرة على التخيل والتحرك الوجداني، ولا تلبث هذه الشخصية أن تصبح دليلا على التطور والتقدم. ولا شك أن الفن الصحفي هو فن بصري بالدرجة الأولى؛ لأنه فن قائم على قراءة الكلمة المطبوعة ومشاهدة العناوين والصور والألوان
1 / 9
والإعلانات، ولا يمكن للأميين أن يشاركوا في حضارة القن الصحفي، ولكن التحضر والتعليم يهيئان الفرصة لظهور الصحافة، التي تعمل على نشر المعلومات بين كافة الناس.
وهناك معامل ارتباط إيجابي مرتفع بين التعليم وارتفاع توزيع الصحف اليومية كما يتضح من الجدول التالي:
ففي حين لا تحتاج مشاهدة الفيلم السينمائي إلى نسبة عالية من المتعلمين، نجد أن الصحافة تحتاج إلى نسبة عالية من المتعلمين، كما أن هناك معامل ارتباط إيجابي مرتفع بين التحضر والصحافة. والحقيقة أن الصحافة تعمل كقوة دافعة لزيادة التمثيل الشعبي والمشاركة السياسية، والمساهمة الاقتصادية، والوحدة الفكرية، والإحساس بالانتماء إلى الأمة، وخلق الرأي العام، على أنه ينبغي أن نؤكد العلاقة المتبادلة بين الصحافة والتحضر فكلاهما مؤثر في الآخر ومتأثر به.
1 / 10
ماهية الفن الصحفي:
ونحن نذهب إلى أن هناك فرقا بين الصحافة والفن الصحفي. فالصحافة هي النشر عن طريق الوسائل المطبوعة دوريا بصرف النظر عن استخدام الفن الصحفي، فهناك صحف لا يتوفر فيها الفن الصحفي، في حين أننا قد نجد كتبا تتوفر فيها أصول الفن الصحفي، وخاصة تلك الكتب الدورية التي تصدرها دور النشر لتبسيط العلوم الحديثة، أو لتقديم الفنون والمدارس الفلسفية المعاصرة. بل إن الفن الصحفي نفسه قد أثر على بعض الدارسين والباحثين الذين أخذوا في السنوات الأخيرة يقدمون ثمرات أفكارهم بطرق حديثة، تتميز بالطابع الذي يتميز به الفن الصحفي من معالجة تفسيرية واضحة تعززها الصور والرسوم الإيضاحية، فضلا عن التجسيد الفني والمسرحة والتكرار، واختيار الكلمات ذات الشحنة التأثيرية، فضلا عن الحيل البلاغية الجديدة التي تنم عن الواقعية والحيوية والمشاركة.
إن بحثا أكاديميا أو علميا جادا، بمصطلاحات العلم المجردة، أساليب التعبير الأكاديمية، وطرق الاستدلال المنطقية، لا يعتبر من الفن الصحفي في شيء، حتى لو نشر في صحيفة سيارة ذات توزيع مرتفع، ولكن عندما يأتي الفنان الصحفي، ويأخذ هذا البحث الأكاديمي المجرد، ليعالجه علاجا جديدا بالتبسيط والتجسيد والتصوير، والتشبيه الواقعي الحي، مستعينا بفنون الإخراج الصحفي من عناوين وصور ورسوم وكاريكاتور، وأهم من ذلك كله لغة واقعية خالية من التعقيدات المجردة، فيصح القول بأن هذه هي بداية الفن الصحفي.
وهكذا يمكن اعتبار الفن الصحفي رؤية جديدة للعالم، تنطبق مع رؤية الشخص العادي. بمعنى أن الفنان الصحفي يترجم المصطلحات الجامدة المجردة المعقدة إلى مصطلحات الواقع العملي النابض بالحياة. وهنا نجد أن الفن الصحفي فن ابتكاري بكل معنى الكلمة. فالسؤال الذي يطرحه الفنان الصحفي دائما هو: كيف يمكن أن تصل هذه المعلومات إلى الجمهور بطريقة مفهومة مستساغة؟ ولقد عولجت الكثير من المدارس الفنية والفلسفية والعلمية الحديثة رغم صعوبتها -كالمنطق الوضعي والوجودية والنسبية والتكعيبية- بمصطلحات الفن الصحفي، فأمكن نشرها بين الجماهير. ومع ذلك، فإن الفن الصحفي كثيرا ما يهدد الأفكار الجادة بالمبالغة والتشويه، عندما يغالي الفنان الصحفي في أسلوبه وطريقته.
فإذا أقحمت المسرحة أو الدراما على النص دون مبرر، أو إذا أمعن الفنان الصحفي في الإثارة والتسلية والمفاجأة، فإنه قد ينزلق من الإيضاح إلى التشويه، ومن التفسير إلى ارتجال مضمون مختلف، ولذلك فإننا قلما نجد الخبراء والعلماء راضين عن المعالجة الصحفية، مهما كانت فذة، وذلك رغم الجهود المضنية التي
1 / 11
يبذلها الفن الصحفي من أجل إزاحة التراب عن التراث القديم وتقديمه بأسلوب شيق بديع، أو إزالة التعقيد عن الدراسات الجادة الحديثة، وتبسيطها للجماهير بمصطلحات عادية مفهومة، إن الفن الصحفي، في يد المبتدئ، قد يؤدي إلى ضياع الفكرة الأصلية، بحجة أن الكاتب يحاول تقديم فكرة أحدث، أو إجراء تحسينات أفضل. ولكن الفن الصحفي الناضج هو الذي يبسط دون تشويه، ويجسد دون مبالغة، ويصور دون مغالاة، ويحدث الجماهير دون إسفاف.
والاتجاه الحديث في الفن الصحفي يتمثل مثلا في صحف الشرح وتفسير الأخبار وخاصة المجلات الأسبوعية على غرار تايم١، ونيوزويك٢، ودير شبيجل٣، وكذلك المجلات المصورة مثل لايف٤، ولوك٥، وباري ماتش، كما يتضح الفن الصحفي في المجلات الثقافية على غرار ريدرز دايجست٦ الشهرية. بل إننا لا نبالغ إذا قلنا أن هناك صناعة نشر جديدة في جميع أنحاء العالم المتحضر تقوم على أساس الفن الصحفي في تبسيط العلوم والفنون والآداب. وقد بلغ الاهتمام باستخدام الفن الصحفي في نشر التراث القديم، والكتب الجديدة حدا بالغ الأهمية، حتى إن العالم الأمريكي ستيفنسون٧ يفسر الفن الصحفي على أنه نوع من الامتاع أو اللهو الذي يشعر فيه القارئ بالاستغراق. وقد بنى ستيفنسون نظريته على أساس بحوث العالم الهولندي هوزنجا٨ مؤكدا أن الأحداث السياسية تقدم بطريقة قصصية أو مسرحية، وكذلك أخبار الجريمة، وأنباء الفضاء، والحرب والسلام.
_________
١ TIME.
٢ NEWSWEEK.
٣ DER SPIEGEL.
٤ LIFE.
٥ LOOK.
٦ READER.htm'S DIGEST.
٧ STEPHENSON.
٨ HAIZINGA.
1 / 12
مراحل التطور الصحفي:
وقد وجدنا من مجمل دراساتنا للصحافة العالمية أن الفن الصحفي بالمعنى الذي نذكره لم يبدأ مع ظهور الصحافة، ولكن الفن الصحفي قد أخذ في الظهور حوالي منتصف القرن التاسع عشر، عندما بدأت الظروف المواتية لذلك. فقد لاحظنا أن للتطور الصحفي إيقاعا محددا في تطوره عبر التاريخ. فالصحافة تبدأ رسمية تتحدث باسم السلطات الحاكمة، ثم لا تلبث أن تتطور مع ظهور الطبقة البرجوازية لخدمة الأغراض المالية والاقتصادية والرأسمالية مباشرة. ولكنها لا تلبث أن تقع في أيدي الأحزاب السياسية المتطاحنة فتصبح لسان حالها وعالة عليها. وفي جميع هذه المراحل، يتطور الفن الصحفي حتى يصل إلى مرحلة النضج والاستواء.
فعندما تستقل الصحافة كمشروعات إعلامية، بعيدا عن سلطة الحكومة المباشرة، وبعيدا عن سيطرة الأحزاب، يبدأ اعتماد أصحاب المشروعات على الفن الصحفي للترويج والإمتاع وجذب الأنظار والتشويق والإعلام والتفسير، بل والتسويق عن طريق الإعلانات، التي تشكل نسبة عالية من الإيرادات، وقد تصل إلى ٧٠% أو أكثر، كما تعتمد على التوزيع الجماهيري الضخم الذي يستجلب الإعلانات. وهنا تبدأ سعة الانتشار والجماهيرية والعمومية في خلق الجو المناسب للفن الصحفي الجديد، في بيئة حضرية، بل قد تكون بيئة صناعية، تتوفر فيها أسباب التقدم العلمي والتفوق التكنولوجي اللازمين لازدهار الصحافة الحديثة.
ثم يظهر خطر الانزلاق إلى الصحافة الصفراء، صحافة نشر أخبار الجريمة والعنف والجنس والإثارة. وتقع الصحف فريسة للاحتكارات الكبرى، وتستغل استغلالا اقتصاديا، دون ما نظر لخطورة تأثيرها على وجدان الأمة ونفسية الجماهير. وربما يكون الحل أحيانا هو تأميم الصحافة كما حدث في بعض الدول الاشتراكية، أو تنظيمها كما حدث في مصر سنة ١٩٦٠. ومع ذلك فإن سعة الانتشار والجماهيرية ومحاولة الوصول إلى فئات الشعب المتعددة، والتأثير في الرأي العام، ثم شعبية الثقافة وجماهيريتها، فضلا عن الإيمان بالقيم الديمقراطية -كل هذه عوامل بناءة لنشأة الفن الصحفي الحديث.
1 / 13
الفن الصحفي في الولايات المتحدة الأمريكية
...
الفن الصحفي في الولايات المتحددة الأمريكية:
فقد بدأت الصحافة الأمريكية في الظهور يوم ٢٥ سبتمبر سنة ١٦٩٠ بنشرة اسمها "الوقائع العامة الخارجية والمحلية" ولم يصدر منها سوى عدد واحد لأنها طبعت "دون أدنى علم أو موافقة من السلطات". وبعد أربعة عشر عاما، وفي ٢٤ أبريل سنة ١٧٠٤، أسس جون كامبل١ صحيفة بوسطن نيوزليتر٢، التي كانت تستقي أخبارها من لندن. ثم صدرت عدة صحف في القرنين الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وكانت الأخبار تخضع لفكرة تغيرت -منذ ذلك الحين تغيرا جذريا- ألا وهي فكرة الظن بأن ليس للجريدة أن تكتب عن الأحداث الكبرى التي تقع في المدن لأن صغر هذه المدن يمكن كل إنسان من مشاهدة تلك الأحداث ومعاينتها شخصيا.
وقد تعرضت الصحف لكبت الحكومات، وفرض الضرائب الباهظة عليها، مما حدا بها إلى الارتماء في أحضان الأحزاب السياسية لحمايتها، وأخذت الصحف تؤيد الفئات السياسية، وتتجنى على الحقائق. ولم يكن توزيع الصحف مرتفعا، بل إن أكثر الصحف رواجا كان لا يزيد توزيعها عن الأربعة آلاف نسخة إلا بقليل.
وفي بداية القرن التاسع عشر كان عدد الصحف الصادرة في الولايات المتحدة الأمريكية نحو ٢٠٠ صحيفة، بل إنها بلغت ١٤٠٣ صحيفة سنة ١٨٤٠، ووصلت إلى ٢٨٠٠ صحيفة سنة ١٨٥٠.
وقد أدى الحلف الوثيق بين السياسة والصحافة إلى هبوط الصحف الحزبية إلى الدرك الأسفل في ميدان التهجم على الكرامات والتشهير والتحقير. وهكذا عرفت الصحافة في ذلك العصر باسم الصحافة السوداء. فلم يكن التحيز مقصورا على المقالات والتعليقات، بل تجاوز ذلك إلى أعمدة الأخبار نفسها، مما جعل الصحيفة مجرد نشرة حزبية خالية من الفن الصحفي تماما.
ولم تكن الصحف في مستهل القرن التاسع عشر تباع إلا باشتراك سنوي، وكان ثمن الاشتراك في الجريدة يتراوح بين ثمانية دولارات وعشرة. وفي سنة ١٨٣٠ حدث تطور جديد في سعر الجريدة، عندما أرادت "ديلي كورير" أن تخفض السعر إلى أربعة دولارات.
_________
١ JOHN CAMOBELL.
٢ BOSTON NEWSLETTER.
1 / 14
إلا أن الثورة الحقيقية في سعر الصحيفة، ثم في جماهيريتها وسعة انتشارها، قد نشبت سنة ١٨٣٣ عندما أصدر هوراس جريلي١ أول صحيفة زهيدة الثمن وهي مورننج بوست٢، ومع أن التوزيع كان ضئيلا، فقد ظهرت صحافة البنس الواحد لأول مرة في تاريخ أمريكا، وأصبحت الصحيفة في متناول الجميع. وبازدياد التقدم الآلي، وظهور الطابعات الحديثة، ارتفع توزيع الصحف، وبلغ توزيع نيويورك هيرالد٣ ٧٧ ألف نسخة يوميا. وبلغ توزيع "تربيون" ٢٠٠ ألف نسخة، و"لدجر"٤ ٤٠٠ ألف نسخة.
وعندما تحول الاهتمام من المقال إلى الخبر خلال الحرب الأهلية وبعدها، وارتفعت أرقام التوزيع مرة أخرى، وخاصة عندما دخل "جوزيف بوليتزر" و"وليام راندولف هيرست" إلى ميدان الصحافة الشعبية، ظهور الصحافة الصفراء، وهي صحافة الإثارة الرخيصة. وما لبثت الصحافة أن سقطت في يد الاحتكارات الصحفية الضخمة، كما سقطت المشروعات الاقتصادية في أيدي الاحتكاريين، وهو الوضع الذي يتفاقم يوما بعد يوم في الصحافة الأمريكية الحديثة.
غير أننا نلاحظ أن ارتفاع التوزيع الضخم، وزيادة الإعلانات زيادة وفيرة، ورقي الأساليب الفنية والتكنولوجية، قد أثر تأثيرا بالغا على الفن الصحفي الأمريكي وخاصة نتيجة للتفوق المذهل في فنون التصوير ونقل الصور سلكيا ولاسلكيا.
_________
١ HORACE GREELEY.
٢ MORNING POST.
٣ NEW YORK HERALD.
٤ LEDGER.
٥ LA GAZATTE.
٦ THEOPHRAST RENAUDOT.
1 / 15
الفن الصحفي في فرنسا:
وفي فرنسا أيضا، بدأت الصحافة رسمية حكومية. وسواء كانت صحيفة الجازيت٥ التي أصدرها رينودو٦ في ٣٠ مايو سنة ١٦٣١ هي الصحيفة الأولى في فرنسا، أو أن هناك صحيفة أخرى صدرت في نفس العام، فإن الصحافة قد صدرت رسمية في فرنسا، وظلت خلال القرن السابع عشر خاضعة لرقابة شديدة من الحكومة والملك بما في ذلك صحيفة جورنال دي سافان١ العلمية الأدبية، وميركور٢ الأدبية الاجتماعية.
وجدير بالذكر أن عدد الصحف التي تخصصت في الأدب كان كثيرا. كما أن طريقة التشويق في القصص، والنشر على هيئة مسلسلات في الأعداد المتتالية، كانت من الأفكار الجديدة، ولكن الظروف لم تكن قد تهيأت بعد لظهور الفن الصحفي الحديث، وخاصة بعد سقوط الصحف في أيدي الأحزاب المتطاحنة. فقد كانت الصحف اليمينية واليسارية على السواء تصطنع الهجوم الشديد، كما أخذت بعض الصحف تمجد في أعمال العنف والإرهاب وخاصة خلال عامي ١٧٩٠ و١٧٩١.
غير أن اتجاهات الأدباء والفلاسفة في الكتابة الفلسفية المجردة، وكذلك المشاحنات الدينية والسياسية، لم توفر الجو المطلوب للفن الصحفي الحديث. وهنا أيضا يبرز الفرق بين الصحافة والفن الصحفي. فالمجادلات النظرية، فالمجادلات النظرية والمشاحنات الدينية، والصراعات السياسية، والفلسفات المجردة، كانت أبعد ما تكون عن نفوس الفراء.
ثم اقترن تطور الصحافة بظهور أول جريدة زهيدة الثمن كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك عندما أصدر إميل دي جيراردان٣ أول صحيفة من هذا النوع اسمها لابرس٤ وذلك في أول يوليو سنة ١٨٣٦، كما صدرت في نفس اليوم صحيفة لوسيكل٥ زهيدة الثمن أيضا. والحقيقة أنه في سنة ١٨٣٦ كانت في مدينة باريس نحو عشرين جريدة تطبع كل منها ٧٠.٠٠٠
_________
١ journal des savants.
٢ MERCURE.
٣ emile de gerardin.
٤ LA PRESSE.
٥ LE SIECLE.
1 / 16
نسخة، وبعد عشر سنوات بلغ عددها ستا وعشرين صحيفة وبلغ عدد مشتركيها ١٨٠.٠٠٠ مشتركا.
وكما سقطت الصحافة الأمريكية في وهدة العنف والجنس والإثارة، فيما يسمى بالصحافة الصفراء، سقطت الصحافة الفرنسية أيضا إلى نفس الدرك بصدور صحيفة "لو بيتي جورنال"١ في أول فبراير سنة ١٨٦٣، وقد كان صاحبها ميللو٢ يبيعها بخمس سنتيمات فقط ولكنها كانت مليئة بالأخبار التافهة، وخاصة أخبار الجريمة والحوادث الدامية. والغريب أن حكام فرنسا كانوا يرحبون بهذه الاتجاه، على أنه خير طريقة لتحويل أنظار الناس عن الأمور السياسية والاقتصادية.
والحقيقة أن عصر ازدهار الفن الصحفي في فرنسا يقع في عهد الجمهورية الثالثة وهي التي استمرت حوالي ٤٤ عاما من بعد حرب سنة ١٨٧٠ إلى بداية الحرب العالمية الأولى. وقد ساعد على ميلاد الفن الصحفي وازدهاره ظاهرة التحضر التي سبق الإشارة إليها، ونعني بها التقدم الصناعي الذي جذب عددا هائلا من سكان الريف إلى المدن، وتحسن طرق النقل والمواصلات نتيجة لتقدم الصناعة واختراع التلغراف والتليفون، وتطور صناعة مواد الطباعة من حروف وكليشهات، واختراع آلة الطباعة البخارية بفضل كونيج الإنجليزي، وبدء استخدام الليونوتيب والروتاتيف أي الطباعة الدوارة. وذلك فضلا عن زيادة عدد القراء نتيجة لظهور الصحيفة زهيدة الثمن، وانتشار الإعلانات وزيادتها.
غير أن التعليم كان قوة دافعة للفن الصحفي، فانتشار التعليم الابتدائي في تلك الحقبة قد ضاعف عدد قراء الصحف، كما تضاعف عدد الناخبين وزاد اهتمامهم بأداء الواجبات المدنية والوطنية ومتابعة الأخبار الصحفية. يضاف إلى ذلك أن التوسع الاستعماري لفرنسا في تلك الفترة، قد ألهب حاسة الفضول عند الجماهير، وحمل الصحف المسئولية إشباع تلك الحاسة. وفي بداية القرن العشرين بلغ عدد الصحف الصادر في فرنسا نحو ٦٠٠٠ صحيفة.
غير أن ظهور الاحتكارات الكبرى ما لبث أن خفض عدد هذه الصحف تخفيضا هائلا. فامتكلت وكالة هافاس خمس صحف، أما وكالة هاشيت فقد كانت قبل الحرب تقوم بتوزيع الصحف بصفة احتكارية، كما تقوم بذلك حتى الآن.
_________
١ LE PETIT JOURNAL.
٢ MOISE MILLAUD.
1 / 17
الفن الصحفي في بريطانيا:
وتعطينا الصحافة الإنجليزية نموذجا طيبا لدراسة ظهور الفن الصحفي وازدهاره عندما تتهيأ الظروف لذلك. وقد صدر أول كتاب أخباري منتظم الصدور في إنجلتزا سنة ١٦٢٢، وكان يصدر رسميا باسم السلطات الحكومية. وما لبثت الصحف أن غرقت في تيار الثورة الطاحنة، والمنازعات الدامية بين الملكيين والبرلمانيين. أما أول صحيفة إنجليزية بالمعنى المفهوم من اللفظ الحديث من حيث الشكل وثبات الاسم وانتظام الصدور، فهي صحيفة أكسفورد جازيت١ التي صدرت سنة ١٦٦٥ ثم تحول اسمها إلى لندن جازيت٢ بعد عودة الملك والحاشية إلى العاصمة، ولا زالت هذه الصحيفة تصدر رسمية حتى يومنا هذا، وفي نفس حجمها الأصلي.
وقد ساعد إلغاء قانون الترخيص سنة ١٦٩٥ على ازدهار الصحف، فصدرت أول صحيفة يومية في ١١ مارس سنة ١٧٠٢ وهي "ديلي كرنت٣" كما ظهرت صحف أقليمية عديدة. وقد كان للنهضة العلمية والتعليمية واتساع الإمبراطورية أثر كبير في تقدم الصحافة، وتقارب الأفكار، وتهيئة الجو لخلق رأي عام مستنير.
وسرعان ما تدهورت الصحافة الحزبية بعد انشقاقها بين الهويج "الأحرار" والطورى "المحافظين"، وكانت المهاترات بين الجانبين تصل إلى حد الفحش والبذاءة في التعبير. ثم كان للضرائب الفادحة أثر بالغ أيضا في تخلف الصحافة. ومما لا شك فيه أن إلغاء ضريبة الصحف كانت نقطة التحول بين الصحافة القديمة.
_________
١ oxford gazette.
٢ london gazette.
٣ daily courant.
1 / 18
والصحافة الحديثة. ففي سنة ١٨٥٥ ظهرت صحيفة "ديلي تلجراف" وثمن النسخة منها بنس ونصف فقط. ثم ظهرت صحف أخرى زهيدة الثمن مثل ديلي نيوز١ سنة ١٨٦٨، ومورننج بوست٢ سنة ١٨٨١، وديلي كرونكل سنة ١٨٧٧.
غير أن الثورة الحقيقية في الفن الصحفي الإنجليزي كانت على يد اللورد نورثكليف الذي أصدر صحيفة ديلي ميل٣ سنة ١٨٩٦ وثمنها نصف بنس، فكانت ثورة جديدة في التحرير والإخراج، ثم ما لبثت أن تبعتها صحف أخرى أهمها ديلي إكسبريس٤ التي صدرت سنة ١٩٠٠.
وقد أتاح نمو التعليم وخاصة بعد سنة ١٨٧٠ زيادة عدد القراء، فكان ظهور الصحافة الشعبية بعد ذلك ثمرة للتحضر، والازدهار الصناعي والعلمي، وانتقال السكان من الريف إلى الحضر، ولا شك أن تجانس سكان بريطانيا، وصغر مساحتها، وتقدمها الاقتصادي والصناعي، وارتفاع مستواها الحضاري، يجعل صحافتها في مقدمة صحف العالم.
ولكنها عانت هي الأخرى من السقوط في تيار الصحافة الصفراء، وغرقت بعض الصحف -ولا تزال- في تيار الفضائح والعنف والجنس والجريمة. كما اتضحت ظاهرة الاحتكارات الصحفية الكبرى عقب الحرب العالمية الأولى، وبلغت ذروتها سنة ١٩٣٠. غير أن قمة الاحتكار قد ظهرت عندما اشترى اللورد طومسوز -المليونير الكندي المشهور- صحيفة التيمس٥ الإنجليزية، التي كانت دائما بمثابة مؤسسة حضارية كبرى، يزهو بها الإنجليز، ويضعونها في صف البرلمان والجامعة. ولكن من الطريف أن هذه الجريدة العتيدة، قد مسها تيار الفن الصحفي، وأخذت تجدد من نشاطها، وتتبع أساليب حديثة في الإخراج، كما أنها نأت عن التقليد الراسخ الذي كان يقضي بوضع الإعلانات في الصفحة الأولى، واتبعت أسلوبا جماهيريا جديدا، يجعل للخبر الصحفي مكانه الطبيعي اللائق به في الصفحة الأولى.
_________
١ DAILY NEWS.
٢ MORNING POST.
٣ DAILY MAIL.
٤ DAILY EXPRESS.
٥ THE TIMES.
1 / 19
الصحافة في العالم العربي:
وإذا انتقلنا إلى العالم العربي وجدنا نفس التطور الذي يبدأ بالصحافة الرسمية، ثم الحزبية، ثم الصحافة التي تحاول الاستقلال، كما تظهر الصحافة الصفراء في بعض البلاد العربية، وتبدو ظاهرة التكتلات الصحفية أيضا، ولكن بصورة مخففة وغير حادة وأقل كثيرا مما هي في البلاد الرأسمالية الغربية، كما تظهر إجراءات التنظيم الاشتراكي فيما بعد كمحاولة للقضاء على الفوضى والاستغلال والانحراف.
فأول صحيفة مصرية باللغة العربية كانت صحيفة الوقائع المصرية التي صدرت سنة ١٨٢٨ في القاهرة. وفي دمشق صدرت صحيفة "سورية" سنة ١٨٦٥ وكانت رسمية مثل صحيفة "غدير الفرات" التي صدرت سنة ١٨٦٧ في حلب. وكان أول صحيفة تصدر في بغداد سنة ١٨٦٩ هي "الزوراء" الرسمية وكذلك صحيفة "الموصل" سنة ١٨٨٥. وفي الحجاز كانت صحيفة "القبلة" الصادرة سنة ١٩٢٤ صحيفة رسمية. وكذلك كانت صحف "الغازيتة" السودانية" الصادرة سنة ١٨٩٩، و"الرائد التونسي" الصادرة سنة ١٨٦٠، و"المغرب" الصادرة سنة ١٨٩٩، كلها رسمية.
والحقيقة أن الحملة الفرنسية على مصر هي التي أصدرت أول صحيفتين في العالم العربي باللغة الفرنسية وهما بريد مصر١ والعشرية المصرية٢. وكانت الأولى للجيش الفرنسي وأفراده المنتشرين في جميع أنحاء البلاد. أما الثانية
_________
١ le courrier de l'egypte.
٢ la decade egyptienne.
1 / 20
فكانت صحيفة علمية لدراسة شئون مصر الاجتماعية والاقتصادية وهي صحيفة المجمع العلمي. وقد حاول الجنرال مينو إصدار صحيفة عربية اسمها التنبيه وذلك سنة ١٨٠٠ برئاسة الشيخ الخشاب، ولكن هذا المشروع لم يتحقق.
وفي سنة ١٨١٣، أصدر محمد علي قراراته الإدارية بتقسيم البلاد إلى مديريات وأقسام، وأصدر بعد ذلك تقريرا دوريا اسمه "الجرنال" يحتوي على معلومات دقيقة عن حساب الأقاليم، وشئونها الإدارية. غير أن هذا "الجرنال" كان محدود التوزيع بمائة نسخة، فكانت الصحيفة المصرية الحقيقية الأولى هي صحيفة "الوقائع المصرية" التي صدرت في ٣ سبتمبر سنة ١٨٢٨، التي لا تزال تصدر رسمية حتى يومنا هذا.
وفي عهد إبراهيم صدرت صحيفة رسمية أيضا "حيث استنسب عندنا في هذه الدفعة ترتيب جرنال يحتوي على الإعلانات الملكية والأخبار التجارية لأجل الحصول على الفوايد العمومية، واستصوب أن يرسل لكل من كافة البنادر والقرى صورته الآتي نظيرها أدناه ليحصل لكل أحد فايدة من الجرنال المذكور، وبما أن الحصول على ذلك كما يجب فهو منوط لإرسال الإفادات والكشوف والإعلانات المقتضى جلبها لديوان المدارس جمعة بجمعة
ددون توقف١ ولذلك أطلق على هذه الصحيفة الجديدة اسم "الجرنال الجمعي".
وفي عصر إسماعيل صدرت صحيفتان رسميتان إلى جانب "الوقائع المصرية". فما وافت سنة ١٨٦٥ حتى صدرت "يعسوب الطب" التي أشرف عليها محمد علي باشا الحكيم وكانت أول مجلة طبية في الشرق، "والجريدة العسكرية". التي عنيت بالمعارف والثقافة العامة إلى جانب عنايتها بالشئون العسكرية. وحتى مجلة "روضة المدارس" التي أنشأها علي باشا مبارك سنة ١٨٧٠ بعد إنشاء مدرسة الهندسة ومدرسة الحقوق وبعض المدارس الصناعية والتجارية والزراعية، كانت رسمية أيضا.
_________
١ الوقائع المصرية العدد ١٣٤.
1 / 21
ثم بدأت الصحافة الشعبية في الصدور سنة ١٨٦٦، وهي نفس السنة التي شهدت مجلس شورى النواب الذي أنشأه إسماعيل، وكذلك جريدة وادي النيل التي أوعز بإصدارها أيضا لعبد الله أبي السعود. وعندما احتل الإنجليز مصر، أوعز المنوب السامي البريطاني إلى أصحاب المقتطف أن ينشئوا صحيفة يومية سياسية، تعبر عن المصالح البريطانية كما كانت الأهرام تعبر عن المصالح الفرنسية. فتقدم يعقوب صروف وفارس نمر وشاهين مكاريوس إلى إدارة المطبوعات في ١٨ أبريل سنة ١٨٨٨ يرجون الترخيص لهم بإنشاء جريدة المقطم.
وفي نهاية القرن التاسع رأى الخديو عباس الثاني أنه من الضروري كسب تأييد الرأي العام المصري، والوقوف في وجه المعتمد البريطاني، والرد على مفتريات الصحف الإنجليزية والفرنسية، وصدور جريدة المؤيد في أول ديسمبر سنة ١٨٨٩ لصاحبها الشيخ علي يوسف للتعبير عن مصالح المصريين عامة، وصالح الخديو خاصة، ولتكون المتحدثة بلسان حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية.
وفي مستهل هذا القرن نجد أن الأحزاب القديمة والجمعيات السرية التي تكونت في القرن التاسع عشر، قد أصبحت أحزابا علنية قوية تامة التنظيم فتكون الحزب الوطني بزعامة مصطفى كامل سنة ١٩٠٦، كما ظهر حزبان آخران هما حزب الأمة الذي كان يوجهه أحمد لطفي السيد، وحزب الإصلاح على المبادئ الدستورية الذي سبقت الإشارة إليه.
ولم تكن الأحزاب تصدر صحفا إخبارية فحسب، وإنما كانت تدافع عن قضية البلاد. فيمكن القول أن صحف الأحزاب الأولى كاللواء والعلم لسان حال الحزب الوطني، والمؤيد لسان حال حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية، والجريدة لسان حال حزب الأمة -كانت في الحقيقة نشرات يومية إعلامية لتوجيه الشعب إلى طريق الحرية، كل منها بالطريقة التي آمنت بها.
ثم تكونت أحزاب أخرى، كان لكل منها صحيفة أو عدة صحف: فلحزب الوفد صحف البلاغ، وكوكب الشرق، والمصري، والوفد المصري، وصوت الأمة،
1 / 22
والنداء والجريدة المسائية وغيرها. وكان لحزب الأحرار الدستوريين صحيفة السياسة التي أصدرها محمد حسين هيكل في ٣٠ أكتوبر سنة ١٩٢٢، وهي من أنضح الصحف المصرية من حيث الأخبار والدراسات. وعن جريدة السياسة تؤثر حركات التجديد لتحرير المرأة، والنقد البرلماني والدراسات الأدبية والاجتماعية التي كان يقوم بها طه حسين ومحمود عزمي وغيرهما.
ثم تألف حزب جديد عقب مقتل السردار في سنة ١٩٢٤، هو حزب الاتحاد وأنشأ له صحيفة الاتحاد التي لم يؤثر عنها فضل يذكر، ثم وجد حزب الشعب في سنة ١٩٣٠، وأصدر صحيفة خاملة الذكر هي الأخرى، عرفت باسم الشعب. وتكونت أحزاب عديدة كحزب الكتلة الوفدية الذي أصدر صحيفة الكتلة ورأس تحريرها رئيس هذه الكتلة المنشقة على الوفد وهو مكرم عبيد، كما أصدر الحزب السعدي المنشق على الوفد أيضا صحيفتين هما الدستور والأساس.
ومن الواضح أن المصريين في هذه الفترة قد تفرقوا أحزابا متنافرة، وشيعا متنابذة. فبعد أن كانوا متكتلين جميعا كالبنيان المرصوص في كفاحهم الشعبي الرائع ضد الاستعمار سنة ١٩١٩، نجد أن الدستور الصادر سنة ١٩٢٣ قد ألهاهم عن قضية البلاد الكبرى وهي الاستقلال. وهكذا تنابذ الحكام، وتراشقوا بالسباب والشتائم في خطب ألقوها وكتب أصدروها، ومقالات نشروها في صحفهم على الناس.
وفي غمرة السعي للوصول إلى دست الحكم نسيت القضية العظمى للبلاد وهي الاستقلال، وتدهورت صحف الرأي التي كانت تعبر عن قضية مصر، وانحرفت أجهزة التعبير منزلقة في تيار من اللؤم والخبث والخداع فلم تعد هذه الصحف لسان حال الشعب، وإنما أضحت تعبيرا بغيضا عن الأطماع، وكان الاستعمار يشجع هذه التيارات بالمال والأخبار والشائعات. وذلك مسخا للحركة الوطنية، وإمعانا في صرف النظر عن الأهداف السامية.
غير أنه في خلال الحرب العالمية الثانية، أخذ المصريون يتنبهون إلى أهمية الصحافة وفنونها الحديثة. وكانت صحيفة المصري قد أخذت بأسباب النهضة
1 / 23