Struggle of Thought and Conformity

Adnan Al-Arur d. Unknown

Struggle of Thought and Conformity

صراع الفكر والاتباع

Penerbit

مؤسسة قرطبة للطباعة والنشر والتوزيع

Nombor Edisi

الثانية

Tahun Penerbitan

١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م

Lokasi Penerbit

الجيزة - مصر

Genre-genre

السبيل إلى منهج الطائفة المنصورة (٣) صراع الفكر والاتباع بقلم عدنان بن محمد آل عرعور مؤسسة قرطبة طباعة - نشر - توزيع ت: ٥٣٥٠٢٧

1 / 1

السبيل إلى منهج الطائفة المنصورة (٣) صراع الفكر والاتباع بقلم عدنان بن محمد آل عرعور مؤسسة قرطبة طباعة - نشر - توزيع ت: ٥٣٥٠٢٧

1 / 2

حقوق الطبع محفوظة الطبعة الثانية المزيدة والمنقحة ١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م مؤسسة منارة قرطبة للجمع التصويري وتجهيزات الطباعة ٦٤ ش الخليفة * مدينة الأندلس * الهرم * الجيزة

1 / 3

بسم الله الرحمن الرحيم

1 / 4

مقدمة إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: فلا يخفى على كل مسلم واعٍ ما تعانيه أمتُنا الإسلامية من واقع مُفجِع، وحال مؤلمة، تُمَزِّقُ قلبَ الصادقِ، وَتُفَتِّتُ كَبِدَ الْمُخْلِصِ، إذ اجتمع عليها ضَعْفٌ ذَاتِيٌّ شَدِيدٌ، وعدو خارجي ماكر، استغل هذا الضعفَ الموهن، فاخترق منه صفوفها، ثم توغَّل في أعماقها، فصنع لها أعداء داخليين شتى، ما بين ظالم فاجر، وفاسق لاه، ومُرَوِّجٍ لفكر دخيل، باسم الإسلام حينًا، وباسم الحضارة أحيانًا، على حين تَمَزُّق في صفوفها، وغفلة من عوامها، وتفرق في خواصها، فزاد بلاءها بلاء، وجعلها لا تلوي على شيء (١). فتصدى لهذا المصلحون، فأخطأ كثير منهم الطريقَ، إذ أخطئوا التشخيصَ، فأخطئوا المعالجةَ، فانعكس أثر ذلك ضررًا بالغًا على الدعوة والسمعة، فتعثرت الأولى، وساءت الثانية، فضلًا عن مصائب شتى حَلَّتْ

(١) يُقَالُ: يَلْوِي على أَحَدٍ: أَي: لا يَنْتَظِرُه، ولا يقيمُ عليه، وهو مجازٌ. [هذه الحاشية في النسخة الإلكترونية فقط وليست بالمطبوع (مُعِدُّه للشاملة)]

1 / 5

بالمستضعفين من المسلمين. ولمَّا كان وعد الله حقًّا، وكلمته صدقًا في نصره للمؤمنين إِنْ هُمْ نصروه، كان لزامًا على المصلحين أن يُعيدوا النظرَ في تشخيص أمراضهم، وأن يراجعوا طرق معالجتهم، فما كان الله ليخلفَ وعدَه، وما كان الله ليخذلَ جندَه ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. إذن ثمة أمور من عند أنفسنا جعلت نصر الله يتأخر عنا، وهناك خَلَلٌ لا بُدَّ من معرفته، وثغرات لا بد من سَدِّهَا، وعندئذ يتحقق وعد الله تعالى، ويتنزل نصره ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ﴾ [التوبة: ١١١]. فلتستبشر أمة الإسلام بنصر الله إن هي نصرته في نفسها أولًا، وَلْتَسْعَدْ بتمكينها في الأرض إِنْ مَكَّنَتِ اللهَ في قلوب أفرادها. فما هي هذه الثغرات حتى نسدها؟ وما هي هذه الأمراض حتى نداويها؟ كي يكون الله معنا، فيكيد لنا على أعدائنا، ويغير حالنا .. كلُّ أجوبة هذه التساؤلات تجدها في «السبيل»، الذي هو التشخيص الصحيح لمرض هذه الأمة، ومعالجته على ضوء الكتاب والسنة؛ لتكون الأمة التي أرادها الله تعالى. وإنَّ كُلَّ مُنْصِفٍ واعٍ يَطَّلِعُ على هذا الواقع التعيس، ويتدبر ما قُدِّمَ في كتاب «السبيل» هذا من تحليلات شرعية لهذا الواقع يدرك أنه لا شفاء لهذه الأمة من أمراضها، ولا نجاة لها من مصائبها، ولا نصر لها على عدوها، ولا تمكين لها في أرض الله جميعًا إلا بالرجوع إلى دينها، شريطة التزام الضابط الذي يضبط لها الفهم الصحيح، والمنهج الذي ينير لها الدرب .. وحينئذ يوحَّد الفهم، ويتَّحد الطريق، فيكون الخير والفلاح. وأَنَّ الله ﷿ لم يَدَعِ الأمر هملًا، كل يفهم دينه كما يرى، وكل

1 / 6

يسير كما يجتهد، بل بَيَّنَ هذا الضابطَ بنفسه، ووضع هذا الميزان في كتابه؛ كي تقام الحجة، ويوحَّد المنهج. وقد ثبت بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة، وكلام الأئمة، والعقل السليم، والواقع المدروس على ضوء الكتاب والسنة وتحليلهما للأحداث؛ أن ضابط الفهم، وميزان العمل هو: ما كان عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- ومن تبعهم بإحسان في العقيدة، والمنهج، والشريعة، والسلوك، وأنهم الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية. وأن لهذه الطائفة الوحيدة أصولًا، وقواعدَ، ومنهجًا، ومفاهيمَ، وأسسًا، وصفاتٍ تتميز بها عن الطوائف المخطئة، والفرق المنحرفة. وأن كل من خرج عن هذه المفاهيم والأصول فقد أبعد الفهم، وضل السبيل، كذلك كانت الطوائف مِنْ قَبْلُ، وكذلك ستكون الطوائف مِنْ بَعْدُ، مهما كانت نِيَّاتُهُمْ، ومهما كانت تضحياتهم، ومهما كانت أدلتهم، وستبقى هذه الجماعات تعيش في تمزقها، وَتَرْسُفُ (١) في ضعفها، وتراوح في مكانها .. تلهث ولا تسير، تسقط ولا تنهض، تصرخ ولا تعمل .. تقوم من مصيبة لتقع في كارثة .. وتخرج من كيد لتسقط في فخ، وستبقى هكذا حتى تدرك هذا المنهج، وتسلك هذا السبيل، الذي به وحده تعالج أمراض المسلمين، وبه تشفى بإذنه تعالى. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ﴾. وستظل هذه الْفِرَقُ تتخبط في تِيهِهَا مهما بذلت، ومهما اجتهدت ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ﴾ .. إلى أن تدرك هذه الحقيقة، حقيقة اتباع منهج الفرقة الناجية،

(١) رَسَفَ يَرْسُفُ ويَرْسِفُ: مَشَى مَشْيَ الْمُقَيَّدِ إِذا جاءَ يَتَحَامَلُ برِجْلِهِ مَعَ القَيْدِ. [هذه الحاشية في النسخة الإلكترونية فقط وليست بالمطبوع (مُعِدُّه للشاملة)]

1 / 7

وعندئذ يتحقق وعد الله، ويتنزل نصره. ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور: ٥٥]. وبناء على هذا؛ فاعلم أنه لا هداية للعبد دون السير على طريق أهل السنة والجماعة، وأنه لا سير صحيحًا إلا بعد معرفة «السبيل». وأنه لا سبيل لتوحيد الأمة الإسلامية وتمكينها إلا بمعرفة معالم الطائفة المنصورة، والالتزام بها. وفضلًا عَمَّا سبق فإنه لا نجاة للعبد من عذاب الله يوم القيامة، ولا فَوْزَ بالجنة إلا باعتقاد عقيدة الفرقة الناجية، والسير على منهاجها .. وهاك «السبيل» بأجزائه خطوة جادة عملية وشرعية واقعية لرسم الطريق الأقوم لنهوض هذه الأمة من كبوتها، واستفاقتها من غفوتها؛ لتكون الأمة التي أرادها الله تعالى. ولذلك؛ فليس المقصود بهذا الكتاب رجلًا معينًا، ولا جماعة مخصوصة، بقدر ما هو تشخيص حقيقي لواقع مؤلم، ومعالجة صحيحة لهذا الواقع، فضلًا عن أنه سَعْيٌ صادق، وخطوة منضبطة لتوجيه هذه الصحوة، وتأصيلها، وتوعية أفرادها، وتثبيتهم على الحق والمنهج المثمر، لا تربيتهم على العاطفة الجيَّاشة، والحماسة المؤقتة، اللتين تزولان بصيحة، وتنطفئان بنفخة ... وهذا هو الذي يُفْرِحُ أعداءهم، إذ إليه يَصْبُونَ، ومنه يخترقون .. وبتأصيلهم وحسن تربيتهم،

1 / 8

يبقون ما بقي الحق، ويصمدون كما صمد الأنبياء، فينالون ما نالوا من التوفيق في الدنيا، والفوز في الآخرة. ويكفينا عبرة ما حل بنا من كوارث، وما نصبت لنا من أفخاخ، وآن لنا أن ندرك الطريق المستقيم، ونسلك المحجة الواضحة. وقد ذُكِرَ في الجزء الأول منه: الواقع المضطرب الذي يعيشه العالم، والحال المؤلمة التي يعيش فيها عالمنا الإسلامي، وَبُيِّنَ فيه الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا الضعف .. من جهل بحقيقة هذا الدين وأهدافه، وتفرق مُخْزٍ، وفقدان للإخلاص والذات، فضلًا عَمَّا يكيده أعداء الله بهذه الأمة، وما يتربصون بها. كما ذُكِرَ فيه أخطاء التشخيص والمعالجة المرتجلة، وصور مؤلمة من صور التربية التي تمارسها بعض الجماعات الإسلامية، ثم ذُكِرَ طريق العلاج، وسبيل النجاة، وعواصم الحفظ. وَوُضِّحَ في الجزء الثاني منه السبيل الأمثل والوحيد لضبط فهم الكتاب والسنة، والذي به يزول الخلاف، وتتوحد الأمة، وهو أصل أصول الطائفة المنصورة، ثم ذُكِرَ فيه أصلان من أصولها. وَعُرِّجَ في هذا الجزء على أصلٍ عظيمٍ من أصولِ الطائفةِ المنصورةِ، وسبيلٍ قَوِيمٍ من سُبُلِهَا يُبَيِّنُ سببَ الانحرافِ وَخُطُورَتَهُ، ومعنى الاتباع ووجوبه، ومعنى الابتداع وحرمته، وعلامات كل من أصحاب الطريقين، ثم خُتِمَ ببعض قواعد الإنصاف التي تضبط المسلم على الصراط، وَتَقِيهِ من الانحراف، مِنْ غَيْرِ جَفَاءٍ مُنَفِّرٍ، وَلَا غُلُوٍّ مَقِيتٍ، وَلَا تَسَاهُلٍ مُشِينٍ. وسيتتابع السبيل -إن شاء الله- في أجزائه القادمة على ذِكْرِ بقية أصول الطائفة الناجية التي بالتزامها يزول الخلاف، وعلى ذِكْرِ صفاتها التي بها تتميز

1 / 9

عن الطوائف الأخرى، ومفاهيمها التي بها يُوَضَّحُ طريقُ تَشْخِيصِ أمراضِ الأمةِ، وَسُبُلُ معالجتها، ثُمَّ النهوض بها. وَمَنْ رَأَى فِي هَذَا الْكِتَابِ شَيْئًا فَلْيَتَدَبَّرْ قَبْلَ أَنْ يَتَعَجَّلَ، وَلْيَسْتَفْصِلْ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ، وَلْيَنْصَحْ قَبْلَ أَنْ يَفْضَحَ، وَمَنْ خَالَفَ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَقَدْ فَاتَهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ. ولقد ذكرت سر كثرة استشهادي بأقوال الداعية سيد قطب ﵀ في الجزء الأول، فَلْتُرَاجَعْ. واللهَ أسألُ أن ينفع به، وأن يجعله خالصًا لوجهه .. وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان، وما كان من صواب فمن توفيق الرحمن، وصلى الله وسلم على النبي المختار، وعلى آله وصحبه البررة الأخيار، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم القرار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وكتبه عدنان بن محمد آل عرعور

1 / 10

مباحث هذا الجزء الأصل الثالث: - ديننا دين اتباع، لا دين فكر وابتداع. - معنى الاتباع، وأهميته. - خطورة الابتداع. - موقف السلف من الآراء. - حكم الابتداع في الطرق. - موقف الصحابة من الابتداع في الطرق. - أسباب الابتداع، وَسِرُّهُ. - كيف تتجنب البدع؟ - حصون النجاة في أهل البدع. - علامات أهل البدع. - من الطوائف المبتدعة المعاصرة. - الفرق بين المتبعين، والمبتدعين. - علامات أهل الاتباع. - من قواعد الإنصاف في أهل البدع.

1 / 11

الأصل الثالث: ديننا دين اتباع لا دين فكر وابتداع الِاتِّبَاعُ: هُوَ أَصْلُ الْأُصُولِ، وَأُسُّ الْأُسُسِ فِي دِينِنَا، بَلْ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النساء: ١٢٥]. ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [الأنعام: ١٠٦]. وإذا كان رسول الله ﷺ لا يملك في هذا الدين شيئًا، فلا يُعْمِلُ فيه فِكْرًا، ولا يُحْدِثُ فيه حدثًا .. ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: ٤]. ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ [يونس: ١٥]. بل لا يجرؤ على شيء من هذا، وما ينبغي له ﷺ. ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ [الحاقة: ٤٤]. فكيف يجرؤ بعضهم على الابتداع؛ بُغْيَةَ زيادة التعبد، والاختراع باسم الفكر، والإحداث بدعوى التجديد؟ ! فما أجرأهم على دين الله تعالى!

1 / 12

معنى الاتباع: قال ابن منظور في «اللسان»: اتبعت الشيء سرت في إثره، وتبعت القوم: مشيت خلفهم. والاتباع عكس الابتداع تمامًا. فالاتباع يعني: السير في طريق مسلوك. والابتداع: إحداث طريق جديد لم يُسْلَكْ مِنْ قَبْلُ. والاتباع الشرعي يعني: السير على طريق مَنْ رضي الله عن سيرهم. ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ [لقمان: ١٥]. ومن هذا نعلم أن للاتباع شرطين: الأول: لغوي، وهو أن يكون العمل أو القول مسبوقًا به. الثاني: شرعي، وهو أن يكون العمل أو القول صادرًا مِمَّنْ أناب إلى الله تعالى، والمنيبون لا يُعْرَفُونَ إلا بتزكية الله، أو رسوله ﷺ لهم. ويوضح الاتباع، ويمثل قمته قولُ عمر ﵁ في الحجر الأسود: «والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ» (١).

(١) أخرجه البخاري (١/ ٤٩٥) وغيره.

1 / 13

أي: لولا أَنَّا أُمِرْنَا باتباع الرسول ﷺ من غير تردد، ولا سؤال: لم؟ لَمَا قَبَّلْتُ ... وما لم نسلك هذا السلوك، سلوك رسول الله ﷺ وأصحابه، من غير نظر إلى مضرة أو منفعة، سوى منفعة الطاعة، ونهجرْ كل طريق غير طريق رسول الله ﷺ، ولو ظننا منفعتها .. ما لم ننهج هذا المنهج؛ فلن نُمَكَّنَ في الأرض حَقَّ التمكين. أهمية الاتباع: تتجلى أهمية الاتباع بأمرين: الأول: بكثرة النصوص الواردة بشأنه في الكتاب والسنة، وقد أحصيتُ ما في كتاب الله من أمر بالاتباع، أو حَثٍّ عليه، أو مدح لأصحابه، فوجدتُهُ يزيد عن ستين موضعًا. وأحصيتُ الأمر بطاعته سبحانه، وطاعة رسوله ﷺ، وَالْحَثَّ على ذلك، والمدحَ للمطيعين، فوجدتُهُ لا يزيد عن خمسين موضعًا. فهل في هذا عبرة للمعتبرين؟ ! وأما ما في السنة فأكثر مِنْ أَنْ يُحصى، فهي بَحْرٌ زَاخِرٌ، وَمَعِينٌ نَضَّاحٌ. ﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٦]. الثاني: الاتباع هو الحافظ الوحيد -من الله- للإنسان من الانحراف والضلال. وما ضَلَّ مَنْ ضَلَّ، ولا انحراف من انحراف، إلا بخروجهم عن هذا

1 / 14

الأصل العظيم. ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس: ٣٢]. أي: فكيف تصرفون عن الصراط ... ولا يُعْرَفُ الصراط إلا بالاتباع، وإلا كان كل طريق صراطًا مستقيمًا ... فتدبر. ثمار الاتباع: o الهداية: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: ٦٩]. والمجاهدة إنما تكون في الاتباع. وإن لم تكن المجاهدة في الاتباع، فلا بارك الله فيها، ويؤكد هذا قوله تعالى: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾ [المائدة: ١٦]. o النصر في الدنيا، والنجاة في الآخرة: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: ١٢٣]. ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٣٨]. o رضا الله ﷿، وهو غاية الغايات، ومنتهى الطلبات: ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [التوبة: ١٠٠]. فلا يكون الرضا إلا باتباع من سلف مِمَّنْ ﵃.

1 / 15

شمولية الاتباع: ما تقدم من الأدلة والبحوث يدل كُلَّ ذي عقل على: أن الاتباع الذي أُمِرْنَا به أشمل من أن يحصر في صلاة، أو صوم، أو سواك، أو ثوب، بل هو عام، واجب في العقائد، والعبادات، والطرق، والمنهاج، والتشريع، والحكم، والسلوك، والأخلاق. قال تعالى بعد أن ذكر عددًا من الرسل: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: ٩٠]. وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: ٢١]. وقال ﷺ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي ...» (١). وقال ابن مسعود: «اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا، فَقَدْ كُفِيتُمْ، عَلَيْكُمْ بِالْأَمْرِ الْعَتِيقِ ...» (٢). كفيتم في العقائد .. كفيتم في العبادات .. وكفيتم في المنهاج .. كلها أمور توقيفية، لا يحل الزيادة عليها، ولا النقصان منها. قال الشاطبي: «الشَّرِيعَةُ جَاءَتْ كَامِلَةٌ، لَا تَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَلَا النُّقْصَانَ» (٣).

(١) أبو داود (رقم ٤٦٠٧)، وغيره، وصححه شيخنا في صحيح الجامع (رقم ٢٥٤٩). (٢) اللالكائي (شرح أصول الاعتقاد) (١/ ٨٦)، و(السنة) محمد بن نصر المروزي (٢٣)، وابن وضاح في (البدع والنهي عنها) (١٠)، والدارمي في (السنن) (٨٦)، والطبراني (٩/ ١٦٨)، قال في المجمع: ورجاله رجال الصحيح (١/ ١٨١)، باب الاقتداء بالسلف. (٣) الاعتصام (١/ ٤٩).

1 / 16

معنى الابتداع: اعلم -رحمني الله وإياك- أن الابتداع ضد الاتباع تمامًا، لغةً وشرعًا، وأنهما لا يلتقيان أبدًا. الابتداع لغة: إحداث طريق جديد لم يُسْلَكْ، واختراع قول لم يُسْبَقْ، وابتداء فعل لم يُفْعَلْ. قال في اللسان: «بدع الشيء: أنشأه، وبدأه». قال تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [البقرة: ١١٧]. قال العلماء: أي: محدثهن، ومبدعهن على غير مثال سابق. الابتداع الشرعي: هو إحداث طريقة في الدين من عبادة، أو فكر، أو طريق لم يحث عليها الله ﷿، ولم يفعلها رسول ﷺ، ولم يسلكها سلف هذه الأمة. أو تخصيص عبادة مشروعة بزمن، أو مكان، أو هيئة، ولم يَقُمْ دليل على هذا التخصيص. قال الإمام الشاطبي في تعريفه الثاني للابتداع: «الْبِدْعَةُ: طَرِيقَةٌ فِي الدِّينِ مُخْتَرَعَةٌ، تُضَاهِي الشَّرْعِيَّةَ، يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا مَا يُقْصَدُ بِالطَّرِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ» (١).

(١) الاعتصام (١/ ٤٢). واعلم أنه ليس المقصود من هذا البحث التفصيل، وإنما المقصود الإشارة والتنبيه، وإلقاء نظرة على بعض المناهج المعاصرة، ومن أراد الاستقصاء فعليه بكتب هذا الموضوع، منها: الاعتصام للشاطبي، وعلم أصول البدع لعلي الحلبي، والبدعة لسليم الهلال، ي وحقيقة البدعة وأحكامها لسعيد الغامدي، وهذا الأخير أوسعها وأشملها.

1 / 17

أي: كل طريقة محدثة قُصِدَ بها التقرب إلى الله، توازي وتضاهي الطرق الشرعية، سواء كان ذلك الابتداع في الأفكار، أو العبادات، أو الطرق، أو العادات، وبهذا تدخل الطرق السياسية المعاصرة المحدثة التي تسلكها بعض الجماعات الإسلامية في تعريف البدعة، وفي مسمى الابتداع، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى. والأصلُ في العادات والوسائل: الإباحةُ إلا ما ورد الدليل بمنعه. فإن قُصِدَ الاستعانة بها على طاعة الله ﷿، كان صاحبها مأجورًا في فعلها، ونفقتها إن كانت ذات نفقة؛ كركوب المواصلات للحج، والاستعانة بمكبر الصوت في الأذان، وفي الدعوة إلى الله. وإن قَصَدَ العبدُ التعبدَ بالعادة نفسها، وبالوسيلة ذاتها، صارت بدعة ضلالة. كما أوضح ذلك الشاطبي في تعريفه للبدعة: «... يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا مَا يُقْصَدُ بِالطَّرِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ ...» (١). أي: يتقربون إلى الله بالعادة، والوسيلة نفسها، ويتخذونها عبادة. وبعبارة أخرى: أن يرى الفاعل وجوب عادة ما، أو وسيلة ما، في عمل ما، من غير دليل شرعي، أو مصلحة بَيِّنَةٍ، كأن يرى وجوب الحج بالطائرة، بدعوى أنها أسهل، فيتخذها الناس سُنَّةً، أو يرى وجوب الجهاد في هذا الزمان

(١) الاعتصام (١/ ٤٢).

1 / 18

بالسيف تعبدًا، بدعوى أن الرسول ﷺ جاهد بالسيف. وفي أثر ابن مسعود: «... وَيَتَّخِذُهَا النَّاسُ سُنَّةً، حَتَّى إِذَا غُيِّرَتْ قَالُوا: غُيِّرَتِ السُّنَّةُ» (١). أو يرى لزوم الاجتماع للعزاء، أو التزام عادة ما، في وقت ما ... يتقرب بها إلى الله تعالى؛ كالاحتفال بليلة النصف من شعبان، أو ما أُحدث في يوم عاشوراء ... وغيرها من أيام السنة. أو اعتياد لبس لون معين من الثياب عند المصيبة، إلى غير ذلك من العادات التي صارت سننًا متبعةً عند كثير من الناس. أما الذين لا يَرَوْنَ دخول العادات في البدع إذا اتُّخذتْ عبادة، فيُقال لهم: مما لا شك فيه أنه إذا قُصِدَ بعبادة مشروعة مكانٌ مخصوص، أو زمان معين، أو اخْتُرِعَ لها هيئة، ولم يَرِدْ على ذلك دليل، فإن هذه العبادة تصبح بدعة؛ كقراءة سورة في يوم معين، أو صوم يوم معين، أو صلاة في وقت مخصص. فإذا صارت هذه العبادات بدعًا بالرغم من أن أصلها مشروع، فكيف بعادة مباحة قصد بها -تَعَبُّدًا- زمانٌ، أو مكان معين؟ لا شك - والحال هذه - في دخولها في باب البدع من باب أولى. ومن أدلة ذلك في هذه العجالة: قول النبي ﷺ للنفر الذين جاءوا أزواجه، فمنع أحدهم نفسه عن أَكْلِ اللحم تَعَبُّدًا، فغضب لذلك رسول الله ﷺ، وقال: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» (٢).

(١) الدارمي (رقم ١٨٥)، وروى ابن وضاح (٥٨) معناه عن حذيفة. (٢) مسلم (رقم ١٤٠١)، والنسائي (٣٢١٧)، وغيرهما، وأصله في البخاري رقم (٥٠٦٣).

1 / 19

رغم أن أَكْلَ اللحم عادة، وليس عبادة، لكن لما ألزم نفسه بالامتناع منه، وجعل ذلك عبادة، صار بدعة محرمة. الترهيب من الابتداع: وردت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة في تحريم الابتداع، والتحذير من عواقبه، وجعلته سببًا في الضلالة، وَبَابًا للكفر. وما ورد عن السلف في هذا يَرْوِي الْغَلِيلَ، ويشفي العليل، وسيأتي تفصيل ذلك، كُلٌّ في بابه. ومن تلك النصوص: قوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: ٢١]. وفيه دليل جَلِيٌّ على أنه لا يجوز سلوكُ أَيِّ طريق في الدين إلا بإذن مُسَبَّقٍ من الله تعالى ... وإلا كان صاحبه مبتدعًا. وقوله ﷺ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» (١). وهذا نصٌّ عامٌّ في كل إحداث، وأنه مردود على صاحبه ... ولهذا كان صاحب البدعة ضالًّا في الدنيا، خاسرًا في الآخرة، نعوذ بالله من الخذلان.

(١) مسلم (١٧١٨)، وغيره.

1 / 20