إن روسيا التي خنقها ستالين أخذت تتنفس بعد المؤتمر أحسن مما كانت تتنفس في الماضي!
ولكن كان واضحا منذ ذلك الوقت أن خروشيشيف إنما يسعى إلى تسلم السلطة، وأنه يسير بخطى حثيثة حتى يصل إلى عرش ستالين، وإذا كان ستالين قد احتاج إلى عشرين عاما حتى يوطد حكمه ويقضي على منافسيه، فإن نيكيتا خروشيشيف لم يحتج إلى أكثر من أربع سنوات!
وكان على خروشيشيف لكي يحقق غرضه أن يمحو من الأذهان صورة ستالين، وأن يحطم تمثاله، ويكشف عن حقيقته، ويبدد الأسطورة التي انتشرت حول اسمه، ويمحو تلك الهالة التي كان هو نفسه أحد الذين طوقوا بها رأس ستالين! (30) ... وبعد ستالين؟!
في النصف الأول من شهر يوليو 1957 لم يكن في الجو السياسي مطلقا ما يوحي بوجود أزمة داخلية في روسيا، ولكن فوجئ الناس بتأجيل رحلة خروشيشيف رئيس الحزب وبولجانين رئيس الوزراء لتشيكوسلوفاكيا، كما فوجئوا أيضا بإلغاء الاستعراض الجوي الكبير الذي كانت حكومة موسكو قد دعت كثيرا من الدول الأخرى لمشاهدته، وأخذ زعماء الشيوعية يفدون تباعا وفي هدوء من جميع أنحاء الاتحاد السوفييتي إلى موسكو.
وعرف بعد ذلك أن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي قد دعيت لاجتماع غير عادي، وظهرت بعد ذلك الحلقة المفقودة لما نشرت جريدة «برافدا» في مقالها الافتتاحي مديحا للبرنامج الذي وضعه خروشيشيف ووافقه عليه المؤتمر العشرين للحزب في فبراير من عام 1956.
ثم قالت صحيفة الحزب محذرة:
إن الحزب ليس ناديا للمناقشات، والنظام المتناسق للحزب نظام يتقيد به جميع الأعضاء، لا مجرد الأنفار ... ولكن هؤلاء الذين في القمة أيضا ...
وكان خروشيشيف في المؤتمر العشرين للحزب قد نبذ السياسة التي سار عليها الاتحاد السوفييتي مدة 35 عاما متوالية، فاستنكر سياسة «تقديس الفرد»، وتأليه ستالين، كما كشف عن سياسة الإرهاب التي كان ينشرها البوليس، كما أعلن فساد تلك النظريات التي كانت تنادي بوجود «طرق مختلفة» تؤدي كلها إلى الاشتراكية، ونادى بضرورة اتباع سياسة خارجية جديدة تقوم على أساس القوة في سبيل السلام والتعايش السلمي.
وقد فهم مما نشرته برافدا أن بعض زعماء الحزب المتمسكين بسياسة ستالين قد تحدوا زعامة خروشيشيف، وأنه لا بد من إقالتهم من مناصبهم.
كان الفصل الأخير من الصراع بين خلفاء ستالين قد بدأ رغم يمين الإخلاص للزعامة المشتركة الذي أقسموه أمام نعشه عام 1953.
Halaman tidak diketahui