31
والواقع أن فكرة المشيئة، أو القدرة على الفعل تبعا للقوانين الضرورية وعدم الفعل تبعا لهذه القوانين، إنما هي، كما يؤكد اسپينوزا تشبيه للطبيعة الإلهية بطبيعة الناس، ولا سيما الملوك؛ أي إن الطبيعة الإلهية تتصور في هذه الحالة على مثال طبيعة الملوك المستبدين، الذين لا يسلكون إلا اعتباطا، ولا يلتزمون بقانون،
32
ولكن من المحال، في رأي اسپينوزا، أن يبدأ المرء في فهم الطبيعة الإلهية إلا إذا حرص بكل دقة على أن يتجنب الخلط بين القدرة الإلهية وبين القدرة البشرية وحق الملوك
33 «فالكائن الأزلي اللامتناهي، الذي نسميه بالله أو الطبيعة، يفعل بنفس الضرورة التي يوجد بها ... والسبب أو العلة التي يوجد من أجلها الله أو الطبيعة، والسبب الذي من أجله يفعل، هو سبب واحد.»
34
أما فكرة العرضية، التي يعتقد عادة أن فيها إعلاء للطبيعة الإلهية أو توسيعا لنطاق قدرتها، فإن مصدرها الوحيد هو الجهل، «فالشيء لا يمكن أن يسمى عرضيا إلا بالنسبة إلى نقص معرفتنا.»
35
وإذا اكتمل علمنا، فإن الضرورة هي التي تغدو سائدة؛ إذ إن الأشياء، إذا ما نظر إليها في ضوء المعرفة الكاملة بها، تكون إما ضرورية أو مستحيلة. وهي لا تبدو عرضية إلا نتيجة لجهلنا بالأسباب. وهكذا كان دفاع اسپينوزا عن فكرة الضرورة، حتى في مجال الفعل الإلهي، هو في واقع الأمر دفاع عن قابلية الأشياء للمعرفة، وليس أدل على ذلك من قوله: «إن من الواجب رفض فكرة حرية المشيئة الإلهية، لا لأنها عقيمة فحسب، بل لأنها أيضا عقبة كأداء في طريق المعرفة.»
36
Halaman tidak diketahui