ويبدو أن اسپينوزا يرد هنا على أولئك الذين قد يعترضون عليه بأن معيار «كفاية» الفكرة خداع؛ لأن المشكلة أصلا هي أن بعض الأفكار تبدو منطوية على كل الخصائص الكامنة للفكرة الصحيحة دون أن تكون بالفعل كذلك، وبذلك يكاد يبدو أنه يضع معيارا نفسانيا باطنا أشبه بوضوح الأفكار وتميزها عند ديكارت. على أن الواضح من قول اسپينوزا بأن الأفكار هي ذاتها الموضوعات، هو أن الفكرة الكافية عنده هي ذاتها تعبير آخر عن موضوع كاف، أو على الأصح مكتف بذاته، لا يعتمد على غيره، بحيث تعكس الفكرة، في مجالها الخاص، استقلال الوجه الذي تعبر عنه من الواقع.
ومن الطبيعي أنه إذا كانت الفكرة الصحيحة على هذا النحو من الإيجابية، وإذا كانت هي ذاتها وجها من أوجه الوجود في واقعيته؛ فلا بد أن تكون الفكرة الباطلة سلبا أو عدما فحسب، وألا ينطوي الخطأ على أي عنصر إيجابي. وهكذا يقول اسپينوزا: «ليس في الأفكار شيء إيجابي يجعلها تسمى باطلة.»
8
فالبطلان لا يعبر عن أية صفة فعلية، وإنما هو انعدام الإيجاب أو الافتقار إليه: «فالبطلان هو انعدام المعرفة، الذي تنطوي عليه الأفكار غير الكافية، أو الجزئية، أو المختلطة.»
9
ومثل هذا الرأي في طبيعة الخطأ يتفق تماما مع رأيه في طبيعة الفكرة الصحيحة من حيث إنها هي التعبير المباشر عن إيجابية الوجود. (1-1) أنواع المعرفة
وعلى أساس التدرج بين البطلان والحقيقة، يظهر تقسيم اسپينوزا المشهور لأنواع المعرفة إلى ثلاثة: (أ)
النوع الأول: وينقسم إلى معرفة نكونها عن الأشياء الخاصة بواسطة حواسنا، وتتمثل لنا فيها الأشياء جزئية مختلطة لا ترتيب فيها - ثم إلى معرفة سماعية تؤدي بنا إلى تكوين فكرة عن الأشياء مشابهة لما نتخيله عنها فحسب. (ب)
والنوع الثاني: وهو ينشأ «من وجود أفكار لدينا مشتركة بين جميع الناس، وأفكار كافية عن خصائص الأشياء. وهذه أسميها «بالعقل».» (ج)
والنوع الثالث: وهو الحدس، «ينتقل من فكرة كافية عن الماهية المطلقة لبعض صفات الله إلى المعرفة الكافية لماهية الأشياء.»
Halaman tidak diketahui