52
ومن الغريب أن المؤلف ذاته يتولى مهمة الرد على نفسه بعد صفحات قلائل إذ يقول: «إن تحرر الفلسفة من اللاهوت ... قد تحقق هنا بالفعل ... فاسپينوزا وحده هو الذي فتح للعقل عالما خاصا به، وتلك هي الطريقة الوحيدة التي أمكن بها قيام الفلسفة والعلم على نحو مستقل عن كل عقيدة لاهوتية وعن سلطة الكنيسة.»
53
ويقدم «واكسمان» ردا أعمق على القول بأن الاتجاه العام لكتاب «الأخلاق» يكشف عن تأثر باليهودية، فيقول: «إذا ما نظرنا إلى الاهتمام بالحياة - أو الاهتمام بالطبيعة - على أنه من سمات الروح العبرية، فإن اسپينوزا يكون إلى هذا الحد قد خضع لتأثير العنصر اليهودي. ولكنا إذا تأملنا السعي إلى السعادة، الذي يؤلف القوة الدافعة لفلسفته، في ضوء التراث اليهودي، والفكر اليهودي، وحالة اليهودية في عصره، لوجدناه أبعد ما يكون عن اليهودية؛ فالفلاسفة اليهود لم يكونوا يسعون أبدا إلى السعادة؛ إذ إنها معطاة لهم في التوراة وفي الحياة اليهودية ... ولم يتعين على اسپينوزا أن يلتمس طريقا جديدا للسعادة إلا بعد أن نفصل انفصالا قاطعا عن الكنيس اليهودي وتعاليمه.»
54
ويتحدث «رخمان
Rakhman » عن اتجاه اسپينوزا إلى الإقبال على الحياة، والبعد عن التشاؤم، فيرى فيه تأثرا بالأخلاق اليهودية، التي هي في رأيه مبتعدة عن الزهد: «فمن العناصر الأساسية في اليهودية مكافحة الزهد والاكتئاب.»
55
وقبل أن يفكر المرء في الرد على هذا التقريب الزائف المبني على عرض باطل لماهية التفكير الأخلاقي اليهودي، يجد، كما هي العادة، مفكرا يهوديا آخر تولى عنه مشقة الرد، وفسر ماهية هذا التفكير الأخلاقي اليهودي تفسيرا مضادا، يغدو فيه هذا التفكير متعارضا مع اتجاهات الفلسفة الأخلاقية عند اسپينوزا؛ إذ يشير «هيلر» إلى التعارض بين دعوة الأخلاق الاسپينوزية إلى السرور وتأكيد الحياة، وبين عناصر التذلل والخضوع التي تظهر بقوة في الأخلاق اليهودية.
56
Halaman tidak diketahui