29
وسوف نعرض في الأقسام التالية في هذا الفصل أمثلة للعناصر الرئيسية التي يقال: إنها مشتركة بين اسپينوزا وبين اليهودية، ونفند كلا منها في نفس الوقت. وينبغي أن يلاحظ على هذا التفنيد أمران: (أ)
أننا لسنا بحاجة إلى رد فعل مفصل على كل حجة من الحجج التي تساق للتقريب بين اسپينوزا وبين اليهودية؛ إذ إن جميع فصول هذا الكتاب يمكن أن تعد ردودا مفصلة على هذه الحجج، ويكفي أن يرجع القارئ إلى الصفحات التي عولج فيها أي موضوع تدور حوله الحجة المعينة في هذا الكتاب، ليجد فيها حتما الرد الحاسم على هذه الحجج. (ب)
أننا سنلجأ في كثير من الأحيان إلى مواجهة مفكر يهودي بمفكر يهودي آخر يقول برأي مضاد. وكما قلنا من قبل؛ ففي وسعنا أن نجد كثيرا من المفكرين اليهود الذين امتنعوا عن السير في هذه المحاولة العقيمة، واستنكروها لأنهم يدركون أن القضية خاسرة منذ البداية، وفي هذه المواجهة بين المؤيدين والمنكرين نستطيع أن نجد الرد الكافي في كثير من الأحيان. (3-1) المؤثرات المستمدة من حياته
يفترض كثير من الشراح اليهود أن نشأة اسپينوزا في بيئة يهودية، وتلقيه العلم في مدرسة عبرية، ودراسته لشخصيات وأفكار الفلاسفة واللاهوتيين اليهود في العصور الوسطى، كل هذه كانت عوامل حاسمة في تكوين شخصيته الفلسفية، وفي صبغ أفكاره بصبغة تتمشى مع التراث اليهودي. وهكذا يتحدث «روث
Roth » عن اسپينوزا فيصفه بأنه «لم يكن نتاجا لهولندا في القرن السابع عشر فحسب، بل كان أيضا ثمرة كاملة لعبرانية قديمة العهد»،
30
ويشير إلى أهمية الأدب واللاهوت العبريين في تكوين شخصيته،
31
وهو يعلل اتجاه اسپينوزا المزدوج بين العلم والدين - وهو الاتجاه المبني على تفسير «روث» الخاص لفلسفته - بأنه يرجع إلى تأثره بالتيارات العلمية الضخمة الموجودة في عصره، وكذلك إلى نشأته «في بيئة تدين بأشد الأديان تمسكا وأخلاقية»
Halaman tidak diketahui