71
ومع ذلك فهي تعود إلى الدفاع عن هذا الجمع بين اللغتين، مؤكدة خلال ذلك أن الله عند اسپينوزا كان إلها «مشخصا»، وأن اسپينوزا قد جمع بين هاتين اللغتين لكي يوفق بين نزعاته العلمية وعقيدته اليهودية الموروثة، فتقول: «لقد استحدث اسپينوزا الصفات التي ينبغي أن يملكها الإله ليكون ذا فعالية في العالم المادي، ولكن كان في ذهنه الشخص الذي يلائمه هذا الوصف؛ إذ ينتهي الأمر بالجوهر اللامتناهي إلى أن يكون شخصا، وموضعا يصلح للحب والتفاني والتقديس، وعندما يصل اسپينوزا إلى آخر «الأخلاق»، يدع لغته تصبح ملائمة لوصف مثل هذا الشخص، وأعتقد أن تلك عملية مشروعة؛ إذ إن اسپينوزا، الذي كان في ذهنه شخص عرفه أجداده عن طريق الوحي، وإن يكن قد رفض طريقتهم في الحديث عن هذا الشخص، قد استخلص من فكرة الكائن المتصف بهذه الأوصاف أنها لا تلائم إلا هذا الشخص. وعندما وصل إلى هذه المرحلة، ترك نفسه يتحدث كأن الكائن الذي استخلص أوصافه هو الشخص الذي كان يعرفه.»
72
وليس المهم في هذا السياق هو قول المؤلفة أن فكرة الله عند اسپينوزا «مشخصة» (وهو قول شديد البطلان)، أو أنه استمد الفكرة من أجداده - من اليهود - (وهو لا يقل عن الأول بطلانا)، وإنما المهم أنها تعترف بوجود فارق بين الأوصاف الأخيرة والأوصاف السابقة عليها في كتاب «الأخلاق»، وأن هذه الأخيرة هي التي تنطبق على فكرة الإله المشخص . (7)
ورغم أن «پولوك
» لا يقول بتناقض بين الجزء الأخير من الأخلاق وبين بقية فلسفة اسپينوزا، فإنه يؤكد وجود اختلاف كبير، مفاجئ، بين لغة هذا الجزء واللغة التي درج اسپينوزا على استخدامها في الكتاب، فيقول: «من الأمور الجديرة بالملاحظة أن الصبغة اللاهوتية لفلسفة اسپينوزا تضعف بالتدريج كلما مضينا قدما في كتاب «الأخلاق». وفي البابين الثالث والرابع تزداد كلمة «الله
Deus » اقترابا بالتدريج من أن تكون مرادفة للطبيعة
natura . ومع ذلك، ففي اللحظة التي يبدأ فيها المرء في الاعتقاد بأن القناع اللفظي قد خلع تماما، نصل إلى الحب العقلي لله في الباب الخامس. وهنا يتبين أن الله، على أية حال، لم يرد إلى الطبيعة، وإنما رفعت الطبيعة إلى مرتبة الله. فاسپينوزا يبدأ وينتهي بألفاظ لاهوتية.»
73
وهكذا يعترف المؤلف بأن هذا الجزء الأخير هو وحده الذي يحول دون تأكيد ترادف لفظي الله والطبيعة، ويسلم بوجود اختلاف حاسم، في الاتجاه الفكري ذاته، بين هذا الجزء وبقية أجزاء فلسفة اسپينوزا. وهذا هو الذي دعاه إلى أن يحاول تفسير هذا الاختلاف عن طريق التقدم، بحذر شديد، بالفرض القائل إن هذا الجزء الأخير نوع من «البحث التكميلي»، إذا قبلناه كان ذلك خيرا، وإذا لم نقبله فلن يتأثر بقية الكتاب. وربما كان للمرء أن يقول إن هذه السلسلة من القضايا كانت في الواقع «تفكيرا لاحقا
Halaman tidak diketahui