وَفِي ذَلِك تَهْذِيب لأخلاقهم وتحريك لهممهم وتمرين لعاداتهم
إعداد الصَّبِي للمهنة وفقا لطبعه
وَإِذا فرغ الصَّبِي من تعلم الْقُرْآن وَحفظ أصُول اللُّغَة نظر عِنْد ذَلِك إِلَى مَا يُرَاد أَن تكون صناعته فَوجه لطريقه فَإِن أَرَادَ بِهِ الْكِتَابَة أضَاف إِلَى دراسة اللُّغَة دراسة الرسائل والخطب ومناقلات النَّاس ومحاوراتهم وَمَا أشبه ذَلِك وطورح الْحساب وَدخل بِهِ الدِّيوَان وعنى بِخَطِّهِ
وَإِن أُرِيد أُخْرَى أَخذ بِهِ فِيهَا بعد أَن يعلم مُدبر الصَّبِي أَن لَيْسَ كل صناعَة يرومها الصَّبِي مُمكنَة لَهُ مؤاتية لَكِن مَا شاكل طبعه وناسبه وَأَنه لَو كَانَت الْآدَاب والصناعات تجيب وتنقاد بِالطَّلَبِ والمرام دون المشاكلة والملاءمة إِذن مَا كَانَ أحد غفلا من الْأَدَب وعاريا من صناعَة وَإِذن لأجمع النَّاس كلهم على اخْتِيَار أشرف الْآدَاب وَأَرْفَع الصناعات وَمن الدَّلِيل على مَا قُلْنَا سهولة بعض الْأَدَب على قوم وصعوبته على آخَرين وَلذَلِك نرى وَاحِدًا من النَّاس تؤاتيه البلاغة وَأخر يؤاتيه النَّحْو وَآخر يؤاتيه الشّعْر وَآخر يؤاتيه الْخطب وَآخر يؤاتيه النّسَب وَلِهَذَا يُقَال بلاغة الْقَلَم وبلاغة الشّعْر فَإِذا خرجت عَن هَذِه الطَّبَقَة إِلَى طبقَة أُخْرَى وجدت وَاحِدًا يخْتَار علم الْحساب وَآخر يخْتَار علم الهندسة وَآخر يخْتَار علم الطِّبّ وَهَكَذَا تَجِد سَائِر الطَّبَقَات إِذا افتليتها طبقَة طبقَة حَتَّى تَدور عَلَيْهَا جَمِيعًا
ولهذه الاختيارات وَهَذِه المناسبات والمشاكلات أَسبَاب غامضة
1 / 104