الْعَشَرَةُ الْمُبَشَّرُونَ بِالْجَنَّةِ
1 / 7
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ﵀: نَبْدَأُ بِذِكْرِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَمِنَ الصَّحَابَةِ بِذِكْرِ الْعَشَرَةِ، فَأَوَّلُهُمْ:
أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﵁
اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ.
1 / 8
قَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: إِنِّي جَالِسَةٌ ذَاتَ يَوْمٍ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ فِي فِنَاءِ الْبَيْتِ، إِذْ أَقْبَلَ أَبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ» ﵁، وَإِنَّ اسْمَهُ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ حِينَ مَوْلِدِهِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَتِيقِ.
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ صِفَتِهِ وَمَوْلِدِهِ وَوَفَاتِهِ
رُوِيَ عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ ﵁ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، كَأَنَّ لِحْيَتَهُ لَهَبُ الْعَرْفَجِ،
1 / 9
عَلَى نَاقَةٍ لَهُ أَدْمَاءَ أَبْيَضَ خَفِيفًا.
وَعَنْ أَنَسٍ ﵁، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ﵁، كَانَ يَخْتَضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵁، قَالَ: ثَلَاثَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَصْبَحُ قُرَيْشٍ وُجُوهًا، وَأَحْسَنُهَا أَحْلَامًا، وَأَثْبَتُهَا حَيَاءً، إِنْ حَدَّثُوكَ لَمْ يَكْذِبُوكَ، وَإِنْ حَدَّثْتَهُمْ لَمْ يُكَذِّبُوكَ، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ.
قَالَ أَنَسٌ ﵁: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
1 / 10
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: اسْتَكَمَلَ أَبُو بَكْرٍ ﵁ بِخِلَافَتِهِ سِنَّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
قَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: تَذَاكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَأَبُو بَكْرٍ ﵁ مِيلَادَيْهِمَا عِنْدِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَكْبَرَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ ﵁ بِسَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ، الَّذِي عَاشَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
قَالَ أَصْحَابُ التَّوَارِيخِ: تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشَرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ، لِثَلَاثٍ بَقَيْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ.
وَقِيلَ: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ سَنَتَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَقِيلَ:
1 / 11
سَنَتَيْنِ وَنِصْفَ، وَغَسَّلَتْهُ زَوْجَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، بِوَصِيَّتِهِ إِلَيْهَا، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ فِي الْمَسْجِدِ، وَدَفَنَهُ لَيْلًا، وَنَزَلَ قَبْرَهُ عُمَرُ وَطَلْحَةُ وَعُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ.
دُفِنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَرَأْسُهُ بَيْنَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
قَالَ أَصْحَابُ التَّوَارِيخِ: كَانَ أَبْيَضَ نَحِيفًا، خَفِيفَ الْعَارِضَيْنِ، نَقْشُ خَاتَمِهِ: نِعْمَ الْقَادِرُ اللَّهُ.
1 / 12
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ إِسْلَامِهِ ﵁
وَأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ النَّاسِ إِسْلَامًا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁، قَالَ: لَمَّا رَأَى أَبُو بَكْرٍ ﵁ تَثَاقُلَ النَّاسِ، قَالَ «أَلَسْتُ أَوَّلَ مِنْ أَسْلَمَ»؟ .
1 / 13
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، مَنْ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ؟، فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا سمعت قَوْلَ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ:
إِذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوًا مِنْ أَخِي ثِقَةٍ ... فَاذْكُرْ أَخَاكَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلَا
خَيْرُ الْبَرِيَّةِ أَتْقَاهَا وَأَعْدَلُهَا ... بَعْدَ النَّبِيِّ، وَأَوْفَاهَا بِمَا حِمَلَا
الثَّانِيَ التَّالِيَ الْمَحْمُودُ مَشْهَدُهُ ... وَأَوَّلُ النَّاسِ مِنْهُمْ صَدَّقَ الرُّسُلَا
وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ أَبُو بَكْرٍ.
1 / 14
فَصْلٌ فِي وَرَعِهِ ﵁
رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ ﵁ مَمْلُوكٌ يَغُلُّ عَلَيْهِ، فَأَتَاهُ لَيْلَةً بِطَعَامٍ، فَتَنَاوَلَ مِنْهُ لُقْمَةً، فَقَالَ لَهُ الْمَمْلُوكُ: مَالَكَ كُنْتَ تَسْأَلُنِي كُلَّ لَيْلَةٍ وَلَمْ تَسْأَلْنِي اللَّيْلَةَ؟ قَالَ «حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ الْجُوعُ.
مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهَذَا»؟ قَالَ: مَرَرْتُ بِقَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَرَقِيتُ لَهُمْ، فَوَعَدُونِي، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمَ مَرَرْتُ بِهِمْ، فَإِذَا عُرْسٌ لَهُمْ، فَأَعْطُونِي.
قَالَ: «أُفٍّ لَكَ، كِدْتَ أَنْ تُهْلِكَنِي»، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي حَلْقِهِ، فَجَعَلَ يَتَقَيَّأُ، وَجَعَلَتْ لَا تَخْرُجُ، فَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ لَا تَخْرُجُ إِلَّا بِالْمَاءِ، فَدَعَا بِعَسٍّ مِنْ مَاءٍ، وَجَعَلَ يَشْرَبُ وَيَتَقَيَّأُ، حَتَّى رَمَى بِهَا، فَقِيلَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، كُلُّ هَذَا مِنْ أَجْلِ هَذِهِ اللُّقْمَةِ، قَالَ: " لَوْ لَمْ تَخْرُجْ إِلَّا مَعَ نَفْسِي لَأَخْرَجْتُهَا، سمعت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ: كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ، فَخَشِيتُ أَنْ يَنْبُتَ شَيْءٌ مِنْ جَسَدِي
1 / 15
بِهَذِهِ اللُّقْمَةِ ".
1 / 16
فَصْلٌ فِي زُهْدِهِ ﵁
رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، ﵁، اسْتَسْقَى فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَعَسَلٌ، فَلَمَّا أُدْنِيَ مِنْ فِيهِ بَكَى، وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَسَكَتَ وَمَا سَكَتُوا، ثُمَّ عَادَ فَبَكَى، حَتَّى ظَنُّوا أَنْ لَا يَقْدِرُوا عَلَى مَسْأَلَتِهِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ فَأَفَاقَ، فَقَالُوا: مَا أَهَاجَكَ عَلَى هَذَا الْبُكَاءِ؟ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، وَهُوَ يَدْفَعُ عَنْهُ شَيْئًا: «إِلَيْكِ عَنِّي، إِلَيْكِ عَنِّي»، وَلَمْ أَرَ مَعَهُ أَحَدًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَاكَ تَدْفَعُ عَنْكَ شَيْئًا وَلَمْ أَرَ مَعَكَ أَحَدًا!، قَالَ: " هَذِهِ الدُّنْيَا تَمَثَّلَتْ لِي بِمَا فِيهَا، فَقُلْتُ لَهَا: إِلَيْكِ عَنِّي، فَتَنَحَّتْ "، وَقَالَتْ: أَمَا وَاللَّهِ إِنْ أفَلتَّ مِنِّي لَا يُفْلِتْ مِنِّي مَنْ بَعْدَكَ، فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ قَدْ لَحِقَتْ بِي، فَذَاكَ الَّذِي أَبْكَانِي.
1 / 17
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا لَقِيَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَذًى
رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: أَتَى الصَّرِيخُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقِيلَ لَهُ: أَدْرِكْ صَاحِبَكَ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِنَا وَإِنَّ لَهُ غَدَائِرَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَهُوَ يَقُولُ: " وَيْلَكُمْ ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [غافر: ٢٨] "، قَالَتْ: فَلَهَوْا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَقْبَلُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَرَجَعَ إِلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ لَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنْ غَدَائِرِهِ إِلَّا جَاءَ مَعَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: «تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» .
1 / 18
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ إِنْفَاقِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَصَدَقَتِهِ
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، ﵁، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَتَصَدَّقَ، وَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا.
قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟» فَقُلْتُ: مِثْلَهُ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا أَبْقيْتَ لِأَهْلِكَ؟» قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقُلْتُ: لَا أُسَابِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا.
1 / 19
فَصْلٌ فِي كَوْنِهِ فِي الْغَارِ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَوِقَايَتِهِ إِيَّاهُ بِنَفْسِهِ وَدُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ لَهُ
رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، ﵁، قَالَ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْغَارِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ ﵁: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ لِأَدْخُلَ قَبْلَكَ، فَإِنْ كَانَتْ حَيَّةٌ أَوْ شَيْءٌ كَانَتْ بِي قَبْلَكَ.
قَالَ: «ادْخُلْ»، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ ﵁، فَجَعَلَ يَلْتَمِسُ بِيَدِهِ، فَكُلَّمَا رَأَى جُحْرًا مَالَ بِثَوْبِهِ فَشَقَّهُ ثُمَّ أَلْقَمَهُ الْجُحْرَ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ بِثَوْبِهِ أَجْمَعَ فَبَقِيَ جُحْرٌ فَوَضَعَ عَقَبِهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «أَيْنَ ثَوْبُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟» فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي صَنَعَ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ ﷺ يَدَهُ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَبَا بَكْرٍ مَعِيَ فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فَأَوْحَى اللَّهُ ﷿ إِلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ ﷿ قَدِ اسْتَجَابَ لَكَ.
1 / 20
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ خُطَبِهِ وَمَوَاعِظِهِ وَكَلَامِهِ
رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، ﵁، كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ «أَيْنَ الْوُضَاةُ الْحَسَنَةُ وُجُوهُهُمْ، الْمُعْجَبُونَ بِشَبَابِهِمْ؟ أَيْنَ الْمُلُوكُ الَّذِينَ بَنَوْا الْمَدَائِنَ وَحَصَّنُوهَا بِالْحِيطَانِ؟ أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يُعْطَوْنَ الْغَلَبَةَ فِي مَوَاطِنِ الْحَرْبِ؟ قَدْ تَضَعْضَعَ بِهِمُ الدَّهْرُ، فَأَصْبَحُوا فِي ظُلُمَاتِ الْقُبُورِ.
الْوَحَا الْوَحَا، النَّجَاةَ النَّجَاةَ» .
1 / 21
وَعَنْ أَبِي السَّفْرِ، قَالَ: مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ ﵁، فَعَادُوهُ، فَقَالُوا: أَلَا نَدْعُو لَكَ بِالطَّبِيبِ؟ قَالَ: «قَدْ رَآنِي»، فَقَالُوا: أَيُّ شَيْءٍ قَالَ لَكَ؟ قَالَ: " قَالَ: إنِّي فَعَّالٌ لِمَا أُرِيدُ ".
وَعَنْ أَسْلَمَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ﵁، وَهُوَ يَجْذِبُ لِسَانَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ﵁: مَهْ.
غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، قَالَ: «إنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ» .
وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ ﵁: «طُوبَى
1 / 22
لِمَنْ مَاتَ فِي النَّأْنَأَةِ» .
قِيلَ: وَمَا النَّأْنَأَةِ.
قَالَ: «جِدَّةُ الْإِسْلَامِ» .
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «وَاللَّهِ لَأَنْ يُقَدَّمَ أَحَدُكُمْ فَيُضْرَبُ عُنُقُهُ فِي غَيْرِ حَدٍّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْبَحَ فِي غَمْرَةِ الدُّنْيَا» .
وَقِيلَ لَهُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَلَا تَسْتَعْمِلَ أَهْلَ بَدْرٍ؟ قَالَ: «إِنِّي أَرَى مَكَانَهُمْ، وَلَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ أُدَنِّسَهُمْ بِالدُّنْيَا» .
1 / 23
وَعَنْ قَيْسٍ، قَالَ: " اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ ﵁، بِلَالًا بِخَمْسِ أَوَاقٍ ذَهَبًا، فَقَالُوا لَهُ: لَوْ أَبَيْتَ إِلَّا أُوقِيَّةً لَبِعْنَاكَهُ، قَالَ: لَوْ أَبَيْتُمْ إِلَّا مِائَةَ أُوقِيَّةٍ لَأَخَذْتُهُ.
فَصْلٌ
رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﵁ فِي مَجْمَعٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ هَلْ شَرِبْتَ خَمْرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ، قِيلَ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَصُونُ عِرْضِي وَأَحْفَظُ مُرُوءَتِي، لِأَنَّهُ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ كَانَ لِعِرْضِهِ وَمُرُوءَتِهِ بِهِ مُضَيِّعًا.
فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «صَدَقَ أَبُو بَكْرٍ، صَدَقَ أَبُو بَكْرٍ»
1 / 24
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، قَالَ: " لَمَّا حَضَرَ أَبَا بَكْرٍ الْمَوْتُ ذَكَرَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عُمَرَ عَلَى النَّاسِ فَأَتَاهُ نَاسٌ، فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا تَقُولُ لِرَبِّكَ غَدًا إِذَا لَقِيتُهُ وَقَدِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا عُمَرَ وَقَدْ عَرَفْتَ شِدَّتَهُ وَفَظَاظَتَهُ، فَقَالَ: أَبِاللَّهِ تُخَوِّفُونِي؟ أَقُولُ: يَا رَبِّ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ، ثُمَّ دَعَا عُمَرَ ﵁، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عُمَرُ إِذَا وُلِّيتَ عَلَى النَّاسِ غَدًا، وَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ ﷿ عَمَلًا بِالنَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَعَمَلًا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ، وَإِنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْحَقَّ فِي الدُّنْيَا، وَثِقَلِهِ عَلَيْهِمْ.
وَحُقَّ لِمِيزَانٍ أَنْ يُوضَعَ فِيهِ الْحَقُّ غَدًا أَنْ يَكُونَ ثَقِيلًا، وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ فِي الدُّنْيَا وَخِفَّتِهِ عَلَيْهِمْ وَحُقَّ لِمِيزَانٍ أَنْ يُوضَعَ فِيهِ الْبَاطِلُ غَدًا، أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، وَأَنَّ اللَّهَ ﷿ ذَكَرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَذَكَرَهُمْ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ، وَتَجَاوَزَ عَنْ سَيِّئِهِمْ، فَإِذَا ذَكَرْتُهُمْ قُلْتُ: إِنِّي أَخَافُ أَلَّا أَلْحَقَ بِهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ ﷿ ذَكَرَ أَهْلَ النَّارِ فَذَكَرَهُمْ بِأَسْوَءِ أَعْمَالِهِمْ، وَرَدَّ أَعْمَالَهُمْ جَهَنَّمَ، فَإِذَا ذَكَرْتُهُمْ قُلْتُ: إِنِّي أَرْجُو أَلَّا أَكُونَ مَعَ هَؤُلَاءِ، لِيَكُنِ الْعَبْدُ رَاغِبًا رَاهِبًا لَا يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ وَلَا يَقْنَطُ مِنْ
1 / 25
رَحْمَتِهِ فَإِنْ أَنْتَ حَفِظْتَ وَصِيَّتِي، فَلَا يَكُ غَائِبٌ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ، وَهُوَ آتِيكَ، وَإِنْ ضَيَّعْتَ وَصِيَّتِي فَلَا يَكُ غَائِبٌ أبَغْضَ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ وَلَسْتَ بِمُعْجِزِهِ ".
فَصْلٌ فِي إِشَارَةِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ
رُوِيَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ امْرَأَةٌ تُكَلِّمُهُ فِي شَيْءٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ جِئْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ، تَعْنِي الْمَوْتَ، قَالَ: «فَأْتِ أَبَا بَكْرٍ» .
1 / 26