Siar dan Epik Rakyat Arab
السير والملاحم الشعبية العربية
Genre-genre
مقدمة
الباب الأول
القسم الأول
القسم الثاني
القسم الثالث
القسم الرابع
الباب الثاني
القسم الأول
الباب الثالث
القسم الأول
Halaman tidak diketahui
الباب الرابع
القسم الأول
القسم الثاني
القسم الثالث
القسم الرابع
مقدمة
الباب الأول
القسم الأول
القسم الثاني
القسم الثالث
Halaman tidak diketahui
القسم الرابع
الباب الثاني
القسم الأول
الباب الثالث
القسم الأول
الباب الرابع
القسم الأول
القسم الثاني
القسم الثالث
القسم الرابع
Halaman tidak diketahui
السير والملاحم الشعبية العربية
السير والملاحم الشعبية العربية
تأليف
شوقي عبد الحكيم
مقدمة
السير والملاحم العربية والأخطار الخارجية
الاعتداءات والأخطار الطامعة والمتربصة بأمتنا العربية تاريخيا كانت - على الدوام - القاسم الرئيسي لمعظم تركتنا الشعبية الفولكلورية العربية، من السير والملاحم والقصص الشعرية المعروفة بالبالادا أو البالاده - كما أسماها الكلاسيكيون العرب.
وفي الإمكان تحديد ذلك العدو الطامع والمتربص بأمتنا منذ حوالي الخمسة آلاف عام، ممثلا في الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، امتدادا إلى الحروب البيزنطية الوسطوية التي صاحبت ظهور الإسلام مع اضمحلال الخلافة الأموية في دمشق والانتقال بها إلى عباس بغداد، وتؤرخ لهذه الحروب القارية الممتدة، السيرة الفلسطينية المنشأ «الأميرة ذات الهمة» والتي تعد أطول سيرة في التاريخ؛ إذ يصل حجمها إلى 26 ألف صفحة.
ويمكن حصر السير والملاحم العربية التي تجمعها الحروب والأخطار القارية أو الآنية بعامة، وأهمها هنا: عنترة، وحسان اليماني الملك التبع، أو ذا اليمنين وسيرته التي نفرد لها فصلا ضمن فصول هذا الكتاب، وحمزة العرب المتعارف عليها في الطيغان الشعبية باسم الأمير حمزة البهلوان، وفيروز شاه، وآخر الملوك - التباعنة - اليمنيين، وهو الملك سيف بن ذي يزن.
وسيرة عمر النعمان غير المطبوعة أو المتداولة، والتي ما تزال إلى أيامنا مخطوطة محفوظة بمكتبة جامعة «توبنجن» بألمانيا الغربية.
Halaman tidak diketahui
أما الحروب التي مجالها روما وبيزنطة؛ فترد في ثنايا الزير سالم - أبو ليلى المهلهل - وسيرة بني هلال التي مجالها ريادة وفتح المغرب العربي «تونس وقلاعها السبع» والوصول بالجيوش العربية - المهاجرة - الزاحفة من الجزيرة العربية بشمالها القيسي العدناني وجنوبها اليمني القحطاني، والمتحالفة تحت شعار أو شارة الهلال - الفلكية - إلى قرطاج ومداخل أوروبا الجنوبية بعامة، بالإضافة إلى الأندلس، أو شبه جزيرة أيبريا.
ثم توغل أطول سير التاريخ بلا استثناء، لتلك الأميرة الفلسطينية فاطمة بنت مظلوم التي أسميت بذات الهمة ابنها عبد الوهاب، لتغطي أحداثها مؤرخة بكل الدقة والرصد الأقرب إلى الإحصاء لتلك الحروب والأخطار البيزنطية أو الرومية كما تسميها السيرة، وهي الحروب والهزات التي امتدت قرابة الأربعة قرون، بدءا من القرن الثامن الميلادي حتى أواخر العاشر، أو مع أفول الدولة الأموية في دمشق وانتقال الخلافة الإسلامية إلى بغداد وخلفائها: المنصور، السفاح، الرشيد، حتى عصر الخليفة الواثق بالله.
فالسيرة الشعبية هي - في أحسن أحوالها - سيرة أنساب قبيلة أو عشيرة أو عائلة حاكمة، مثلما هو الحال بالنسبة للإلياذة الهومرية، والتي لا تعدو سيرة أنساب قرابية تؤرخ لأسرة أتريوس وحروبها في آسيا الصغرى التي بؤرتها حصار طروادة.
مع ملاحظة مدى التداخلات بين كلتي السيرة والملحمة، فكلتاهما - في معظم الأحوال - موضوعها الجوهري هو الحروب والأحداث الجلل من حصارات وهجرات وسبي وخوارق وبطولات وفروسية.
وقد يجيء الاختلاف الوحيد بين السيرة والملحمة في الصياغة، فبينما تجنح لغة السيرة إلى الرواية وضوابطها التي تسرد بالحكي القصصي أو الروائي النثري، دون أن يخلو الأمر - طبعا - من الشعر وإنشاده؛ وهو ما يخالف الملحمة التي قوامها الشعر الغنائي أو الإنشادي، دون أن يخلو الأمر من حيث الصياغة اللغوية الروائية.
فالملحمة قصة شعرية طويلة، ذات اهتمامات بطولية، وقد تكون الملحمة مدونة أو شفاهية، كما قد تجمع بين الخصيصتين أو المجالين، مثلما هو الحال بالنسبة لسيرنا الملحمية العربية: الملك سيف، بني هلال، الزير سالم ... إلخ.
ولعل أهم ما عرف العالم القديم من ملاحم - شفوية - هو الإلياذة والأوذيسة الهومرية، كذا يرد مثل أهم ملحمة مدونة، ممثلا في «الإينادة» لفرجيل.
وفي اللاتينية فارساليا لوكن، وأغاني رولان في العصور الوسطى، وملحمة السيد في الإسبانية، وملحمة الشاعر ميلتون عن الفردوس المفقود، ومعركة الضفادع والفئران نصف الهرموية ... إلخ.
وعادة ما تستولد الملحمة من التقاليد الأدبية الشفهية، وتمتد موضوعاتها واهتماماتها لتشمل الأبطال الأسطوريين؛ مثل إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل في سارة وهاجر، وأيضا الأبطال التاريخيين أو المقدسين، بالإضافة إلى تناولها للأبطال الحيوانيين - أو الطوطم - مثلما هو الحال في معركة ضفادع، لأبي الشعر الملحمي في التاريخ هومير.
وقد استخدمت معظم شعوب العالم القديم الملاحم الشعرية؛ لحفظ تاريخها وموروثاتها من جيل لآخر، تنشد وتغني دون حاجة للكتابة في مجتمعات تغلب عليها الأمية، وإن لم يخل أمر تاريخها من الأحداث والنضالات البطولية والتجمع القومي؛ حيث كان لمنشدي الملاحم والمغنين الشعبيين الدور الكبير في معظم مجتمعات ما قبل المعرفة بالكتابة.
Halaman tidak diketahui
وكان للنبلاء ورؤساء العشائر - خاصة في أفريقيا، وبشكل خاص في السودان - مغنوهم الملحميين.
وأقدم بذور الأغاني البطولية الملحمية عرفت منذ 1100ق.م ووصلت إلى أقصى ذيوعها فيما بين 900 و750ق.م، بعد هوميروس.
أما أقدم أشكال الملاحم - الشعرية - التي عرفها العالم القديم قاطبة؛ فقد ولدت في الشرق الأدنى القديم أو عالمنا العربي، تغنى بها السومريون القدماء بالعراق وترجع إلى 3 آلاف عام ق.م؛ حيث كانوا ينشدونها خلال حروبهم الطويلة في آسيا الصغرى، التي قادها ملوكهم الأوائل أنمركار، ولو جلابا مذا، ثم البطل الأسطوري جلجاميش، وعثر على خمسة قصائد ملحمية لجلجاميش من هذا النوع، منها تشكل فيما بعد جسد ملحمته الشهيرة التي انحدرت بدورها إلى البابليين الذين أضافوا إليها وأعادوا بناءها إلى أن اكتملت كأقدم ملحمة عرفها العالم القديم قاطبة، وظلت معروفة متواترة على طول التاريخ العربي الكلاسي، إلا أنهم تعارفوا عليها باسم قلقاميش.
كذلك ابتدع البابليون القدماء ملحمة أخرى منذ مطلع الألف الثانية ق.م، يقوم موضوعها على الموتيفات والسمات الأسطورية، بأكثر من البطولية، فهي ترسي قصة الخلق - للعالم والإنسان - حتى مجيء الإله ميردوك، كبير الآلهة البابلية، فهي تصوير لمخاطر البطل الأسطوري أو الإنسان الأول، وموضوعها بعامة لا يبعد بنا أيضا عن جلجاميش ومخاطره وبحثه الدائم عن الخلود والأمن.
كذلك عثر على العديد من الأغاني البطولية الملحمية ضمن مكتشفات رأس الشمرا ترجع إلى القرن 14ق.م بسوريا الشمالية، ودونت بالأبجدية الفينيقية، تتحدث إحدى هذه القصائد الملحمية عن حياة وبطولات الإله بعل، وقصيدة ملحمية أخرى تدور حول بطل يدعى أكحل آلهات، كما عثر على قصيدة ملحمي يدور موضوعه حول إشراك الإلهة الأنثى عناث في اغتيال أخيها بعل، وإعادته ثانية للحياة على غرار الأساطير التموزية والأدونيسية لأدونيس إله فينيقيا الممزق.
كما عثر على ملحمة أوغارتية سورية تشير إلى الأصول الأولى للحروب الطروادية، تعرف بملحمة «كريت»، وكذا الملحمة الهندية - الفارسية - الرميانا، ثم الملحمة الهندية الآرية الكبرى، المهابهاراتا.
وإذا كنا انتهينا من تعريف كلتي السيرة والملحمة وكيف أن الفارق بينهما لا يعدو أن يجيء لغويا متصلا بالصياغة المتداخلة ما بين النثر والشعر، بالإضافة - طبعا - إلى بضعة فوارق طفيفة، ما بين الاهتمام بالأنساب والبنية القرابية، في حالة السيرة، والرعاية القصوى للحرب وشعر البطولة في الملحمة.
ويحق لنا تعريف شكل أدبي فولكلوري ثالث، وهو البالادا، أو قصة الحب والعشق الشعرية الملحمية، وأبرز أنماطها في بلداننا العربية: حسن ونعيمة، عزيزة ويونس، يوسف وزليخة، شفيقة ومتولي، سارة وهاجر، عالية وأبو زيد الهلالي، وهكذا.
فالبالادا تسمية أطلقت على هذا النوع من الأغاني الفلكلورية الملحمية التي كانت في مثناها أغاني تؤدى بمصاحبة الموسيقى والرقص مثل البالاتا الإيطالية، فهي قصة شعرية أو أغنية ملحمية، بأكثر منها ملحمة، أقرب إلى الابتهالات البكائية والجنائزية، مثلها مثل أغاني الشهنامات الفارسية الإيرانية، وقصائد «السيد» الفرنسية، وبالاد نبلونجز الألمانية الإسكندنافية، والبليانات السوفيتية والأغاني القصصية التي سبقت اكتمال ملحمة «كاليغالا» الفنلندية، وكذا أغاني رولان، وبيولف، ثم بالاد سفند دايرنغ الدانماركية، التي تقارب قصتنا الملحمية سارة وهاجر، وإن كان في كلتيهما يشيع الحس النسائي، الذي هو الملمح الأكثر أصالة للجسد الفولكلوري العالمي بأكمله، من حيث الاحتفاء بمأثورات مثلث العائلة الخالد، الزوج والزوجة والابن، وصراع الضرتين، وطقوس الزواج والميلاد، واضطهادات زوجة الأب، التي تدفع بالأم إلى الخروج من قبرها، لتنقذ طفلها - القدري - المضطهد من براثن زوج أبيه.
ويرجع ظهور هذا الشكل الأدبي الفولكلوري في التراث العالمي بعامة، فيما بعد القرن الخامس عشر، وقد لعبت حركات الإصلاح الديني في الغرب دورا دافعا في تنشيطه والاستفادة من رواته ومنشديه المحترفين مثل النسوة الندابات، منشدات البلينا السوفيتية، برغم أن بعض الكنائس في العصور الوسطى حاولت تحريم إنشاده ، واضطهاد رواته وحفظته ومنشديه.
Halaman tidak diketahui
ولقد احتفت المدرسة الأسطورية بريادة آندرولانغ بإرجاع ذلك القصص الشعائري الغنائي إلى عصور موغلة في القدم.
ولا شك في أن بعض نماذج هذا القصص الشعري الملحمي، عمر عمر الشعائر والممارسات الوثنية الطوطمية الموغلة في القدم، طالما أنه مرتبط بتقويمات ومناسبات دنيوية، يراد لها الحفظ والانتشار، ولو من جانب المؤسسات الدينية التي عادة ما تتحرك في خدمة المسار السلطوي، ولو للعائلات المنسبة أو التي تضفي صفات وهالات القدسية والتقديس على أنسابها؛ بما يحفظ لها استمرارها وتوصلها السلطوي.
فالبالادا قصة شعرية فولكلورية، تروي أحداثا ملحمية يراد لها الحفظ والاتصال، عادة ما تكون على درجة عالية من الأهمية والخطورة، وعلى المستويات البنيوية من سياسية وشعائرية واجتماعية وتقويمية، تنتهي بكاملها عند هدف أخير، هو حفظ البنية الطبقية، دون أي اعتبار لما طرأ على مجتمع أو مجتمعات هذه السير والبالاد الملحمية من تغيرات في علاقات إنتاجية، والشروط والمتطلبات التي تعيش فيها الناس - وعن طريقها وعبرها - يتحدد وعيها.
إن تطور الأفكار والمعتقدات يجيء مسايرا لتطور التاريخ (خاصة تلك التي يكون موضوعها الشعائر والمنتجات الروحية).
فمثل هذه الموروثات الروحية المدعمة بسلطة العادة والتوارث، وكذا التفسيرات المغلوطة لكلا التراث والتاريخ مجللة أو محمية، بما أسماه آرثر تيلور بالأنيزم، من روحانيات يضفيها الإنسان على كل شيء، وبخاصة الطبيعة الموحشة الغامضة من حوله.
وعلى هذا فالبالادا في أحسن حالاتها قصة «أنساب» أو عائلة أو قبيلة، مع الأخذ في الاعتبار أن العصب أو الجسد الفولكلوري العربي بعامة؛ قبائلي.
بالإضافة إلى أنها - كما ذكرنا - قصة أو أغنية شعرية، عادة ما كانت تؤدى بمصاحبة الموسيقى والرقص.
وهنا نكون قد استكملنا التعريف بالسيرة والملحمة، والبالادا، والفوارق الهامشية بينهما، قبل التعرض لموضوعات هذا الكتاب الذي يقع في قسمين، يختص الأول بالمداخل أو الأنساق أو الأبنية، التي هي في موقع القاسم المشترك الأهم لمحصلة تركتنا من السير والملاحم والبالادا العربية على المستوى القومي؛ من ذلك: القسمات والعناصر المشتركة في الفولكلور العربي التي تساعدها وتدفع بها مثل هذه الأعمال الكبرى - من سير وملاحم وقصص شعرية إنشادية - على الوضوح والتبدي، وأبرز هذه المداخل والأنساق، قضية الأمن وافتقاده من فولكلورنا العربي؛ نظرا للترابط التراثي التاريخي من المنطلق القومي، وحيث تنشط مثل هذه السير والملاحم أكثر فأكثر في مواجهة الأخطار والاعتداءات الخارجية، من غزو، وفرض سيطرة، وحروب قارية وهجرات جماعية.
ومنها أبرز ظواهر وملامح سيرنا وملاحمنا العربية، التي قد تجتذب الباحثين والأثنوجرافيين، مثل البحث في الخلفيات التاريخية التي عادة ما ترتكز الأحداث الجوهرية لسيرنا عليها؛ من ذلك مخاطرة الملك سيف بن ذي يزن وبحثه عن كتاب النيل، أو الخلفية التاريخية لهجرات وحروب قبائل التحالف الهلالي مرورا بالمغرب وتونس، حتى أبواب الأندلس.
وكذا الحروب الإسلامية ضد الروم البيزنطيين ومحاصرة العرب للقسطنطينية، وظاهرة استفاضة سيرة الأميرة ذات الهمة في الخوض في الحروب الطويلة التي عرفت بحرب الأيقونات، ومنها كنوز كنيسة أيا صوفيا.
Halaman tidak diketahui
وكذا الحروب ضد الفرس التي تعرضت له أكثر من سيرة عربية، أو الدور الذي اضطلع به «العيارون» وتابعوا الأبطال الملحميين في سيرنا.
ويلعب الماء وموارده ومترادفاته؛ من عطش، وماء يعيد الصبوة والشباب، وماء الخلود، هكذا دورا رئيسيا في فولكلورنا العربي، بل قد يكون هو بذاته - الماء كمصدر للزرع والضرع - سببا للإغارة والهجرات والحروب، التي هي بدورها موضوع هذه السير والملاحم والبالادا.
كذلك فإن من قسمات وسمات سيرنا وملاحمنا، هو التعرف - باستفاضة - للبنية القرابية القبائلية.
القسمات القومية المشتركة لسيرنا وملاحمنا
تتبدى القسمات والعناصر المشتركة في فولكلورنا العربي على المستوى القومي، واضحة كل الوضوح بالنسبة لتركتنا الشعبية العربية بعامة، في تراثي السير والملاحم، بأكثر منها في بقية أنشطة الفولكلور العربي الأخرى، مثل الحكايات والشعر الغنائي وبقية الحقول الإبداعية، من مسرح مرتجل وميلوديات موسيقية وأزياء ووحدات زخرفية.
ذلك نظرا للترابط التراثي التاريخي الذي ينتظم من داخله تراثي الملاحم والسير، التي - كما ذكرنا - تنشط أكثر من مواجهة الأخطار والاعتداءات الخارجية؛ من غزو وفرض سيطرة وهجرات جماعية، ومن هنا تمس مثل هذه الأحداث والهزات الكبرى كل مجتمع وكيان عربي هزا مباشرا، يتصل - أول ما يتصل - بأمنه المفتقد المهدد على الدوام.
فكما يلاحظ - عبر عدة أمثلة نسوقها - كيف أن السيرة الهلالية تبدأ أحداثها بالهجرة بين تحالف كلا عرب الجزيرة العربية، شمالا وجنوبا تحت شارة أحد أطوار القمر - للسنة الهجرية - ألا وهو الهلال مرورا بالشام وفلسطين ولبنان ومصر وليبيا، حتى ينتهي الرحال والترحال بتلك القبائل العربية في تونس وعاصمتها قرطاج مواصلة فرض اتصالاتها وحروبها على طول الشمال الأفريقي، حتى مداخل أوروبا الجنوبية والأندلس.
ومن جانب آخر يواصل عنترة حروبه وبطولاته من اليمن والجنوب العربي حتى العراق، ومملكة الملك النعمان فيما بين الرافدين حتى بلاد الفرس، ونفس الشيء نلمسه في الحروب القارية التي بدأها المقاتل العربي الفاتح حمزة البهلوان في سيرته حمزة العرب، بدءا من موطنه ومنطلقه من أم القرى أو مكة المكرمة، مرورا بالعراق، وعاصمة ملكه آنذاك «المدائن» التي كان مثلها مثل الجزيرة بأكملها تحت نير الإمبراطورية الفارسية فيما قبل الإسلام إلى أن يقف حمزة مهددا ومحاصرا طهران، عاصمتها، مدافعا عن تحالفه القبائلي العربي، في مواجهة التحالف الفارسي المستعمر، إلى أن توقعه أحداث سيرته الملحمية في حب «مهردكار» ابنة أحد الكياسرة أو القياصرة، ليصبح ألعوبة في يد كسرى، يجمع له الجباية أو الجزية، على طول إمبراطوريته، المترامية على طول غرب آسيا، وآسيا الصغرى، واليونان، وروما، ومصر.
والملاحظ أن سيرة الأمير حمزة البهلوان تبدع إلى حد الرصد الإثنوجرافي، في وصف أحوال البلدان التي يمر بها الجيش العربي الذي قاده حمزة العرب في وجه أشلاء الإمبراطوريات الثلاث الهامة، وهي مصر الفرعونية بآثارها وقلاعها وشوارعها، وآلهتها الوثنية ونيلها وعادات أهلها، والنوبية والسودانين في مصر. ونفس الشيء بالنسبة لوصف السيرة الدقيق لبقايا الملامح الهيلينية اليونانية في العاصمة أثينا، بمعابدها، ومجمع آلهتها، بل والأكروبول ذاته، تصفه السيرة بكل دقة.
وكذا الشوارع وعلاقات البيع والشراء وأزياء النساء وآداب الطعام والحديث، وتبادل التحايا وحب الورود وأصناف الطعام والشراب والمسارح وأقنعة الممثلين الجوالين - التروبادورز - وهكذا إلى أن تنتقل إلى روما، والمدن والدول على طول الساحل الفينيقي في لبنان وفلسطين، حيفا، يافا، صور، صيدا، بيروت وجبيل، بدقة أقرب إلى كتابات الرحالة هيردوت وأحاديثه التسعة، على طول دول الشرق الأوسط التسع، من حيث الرصد والتسجيل.
Halaman tidak diketahui
وعليه: فإن للقسمات المشتركة أو المتجانسة، الأقرب إلى التطابق، والدفع إلى المزيد من الاهتمامات والانصهارات القومية، بما يحتم ضرورة انتماء تراثنا هذا من السير والملاحم، انتماء يجيء قوميا، بأكثر منه محليا.
فلن تنتمي يوما سيرة عنترة إلى موطنها - الجغرافي - اليمن والجنوب العربي الأعم، ونفس الشيء بالنسبة للملك سيف، وعمر النعمان، وملوك قحطان التباعنة؛ ذلك أن لمثل هذه السير والملاحم العربية، حركتها الأفسح، سواء أكانت الحركة الداخلية للأحداث والعلاقات القرابية للبيت أو الشعب الواحد، وحركتها الخارجية بالحرب والهجرات والريادات، أو حتى الأحداث الكبرى، مثل صراع الضرتين، سارة وهاجر، واضطهاد إسماعيل أبا العرب، وإحلال الضحية الحيوانية بديلا من البشرية، أو خروف العيد «عيد اللحم أو الضحية».
وتكثر أمثال هذه السير والملاحم والبالاد ذات السمات العربية القومية بأكثر من المحلية والإقليمية، مثل سارة وهاجر، ويوسف وزليخة، وعزيزة ويونس، وعنتر وعبلة، وسعد اليتيم، والإمام علي والملك الهضام في المجتمعات الأكثر أمية، كما أن من خصائصها التواجد في المجتمعات المغرقة والموغلة في عبادة السلف، فعلى أرض هذه المجتمعات السلفية تجد مثل هذه السير والملاحم ازدهارها وتواترها؛ حيث تخالط فيها الأساطير والخرافات التاريخ الفعلي الأركيولوجي، وعلى كلا الزمان والمكان، أو التاريخ والكيانات التي فيها تجري أحداث السير والملاحم؛ فالإغراق في الأمية إلى حد تقديس أعلامها والتبتل بالسلف، يشير إلى آفة السلفية وتحجرها في الماضي المندثر الغابر، على الحاضر الآني الماثل، باستخدام كل وسائل وآلات التعسف السلطوي للتراث الخالد، وهو ما تحفظه هذه السير والملاحم، ذات الأصول والعلاقات الضاربة في العبودية والإقطاعية، والتي هي ليست في مداها الأخير سوى سير وملاحم الحكام، الحافظة بكل الدقة الممكنة لأنسابها وعلاقاتها القرابية، بدءا من سيرة بيت أتريوس في الإلياذة الهومرية، ومرورا بسيرنا، الزير سالم، كما سيتضح ويلاحظ في مدى حفاظ هذه السير الأسرية القبلية على أدق أنساقها وعلاقاتها القرابية.
الباب الأول
القسم الأول
سير وملاحم الأنساب القبائلية
ما من سيرة أو ملحمة عربية إلا وتولي اهتمامها الرئيسي للبنية القرابية القبائلية التي تؤرخ لأبطالها، بل إن أبسط تعريف للسيرة يتمحور عادة في كونها سيرة أنساب أو عائلة حاكمة أو متسيدة، يراد لها الحفظ والاتصال.
إنها بمثابة التراجم التاريخية لشخوصها عالية الهامة، من ملوك أو تباعنة وأمراء وشيوخ قبائل، عبر حروبها ومنازعات بلاطها وهجراتها وأنماط زواجها وميراثها وتوارثها.
يتضح سلسال أو نسق القرابة خاصة في سيرنا وملاحمنا، مثل ملحمة حسان اليماني أو الزير سالم، وعنترة، وسيف بن ذي يزن، وسيرة الهلالية.
فالقبيلة حين تتحرك للحرب والمنازلة، تتحرك حافظة بكل دقة لنسيجها القرابي، كفرع من الشعب، الذي هو بالتالي قبيلة سالفة، مثل عدنان سكان شمال الجزيرة، وقحطان سكان اليمن والجنوب، حين تحالفهما وهجرتهما من الجزيرة، بحثا عن الزرع والضرع، إلى الشام ومصر والشمال الأفريقي في القرن الخامس الهجري، وهو ما أرخت له سيرة الهلالية.
Halaman tidak diketahui
فالقبيلة فرع من الشعب المتحالف - عدنان وقحطان - مثل قبائل ربيعة ومضر وعدنان، ومن القبيلة تنحدر العمارة أو البدنة.
والبدنة كما يعرفها الأستاذ إيفانز برتشاد، وفورشن: وحدة دائمة تظل موجودة على مر الأجيال؛ نتيجة لانضمام أفراد جدد إليها، أو تركهم لها بالموت أو أي سبب آخر ... فالبدنة جماعة ترد انتسابها إلى جد واحد في خط واحد، ومنها يستمد الشخص مركزه السياسي والقانوني.
فيلاحظ، أن نظام القرابة يهتم بدراسة العلاقات بين الجماعات القرابية كالبدنات وفروعها والعائلات الكبيرة من حيث هي جماعات، بغض النظر عن القرابة الفعلية بين الأفراد.
وعلى سبيل المثال، فإن قريشا وكنانة ما هما إلا بدنتين من مضر، ومن العمارة أو البدنة تجيء البطن، مثل بني عبد مناف من قريش، ومن البطن يجيء الفخذ، ومن الفخذ تجيء القبيلة، مثل بني العباس من هاشم أو الهاشميين.
وإذا ما عدنا إلى الاستشهاد ببعض النماذج القرابية للهلالية؛ نجد أن العصب القبائلي الأم الممثل في صراعي عدنان وقحطان داخل التحالف ينعكس على المستعميين الذين قد يتحمس العدنانيون منهم لخوارق أبي زيد الهلالي، والقحطانيون منهم لجد الزناتي خليفة وابنته سعدى وابنه العلام.
بل إن السيرة تحفظ لقاتل الزناتي خليفة وهو قحطاني سلف بدوره، لهجرة يمنية سالفة - تابو - أن قاتله لا بد وأن يكون قحطانيا مثله.
لذا كان قاتله هو دياب بن غانم وهو القحطاني الذي لقبه الشعب المصري - نظرا لغدره وعصبيته - ب «الزغبي»، ومنه تواتر مثل «هو انت زغبي» كما يقول د. عبد الحميد يونس.
كذلك يتضح في السيرة تقديس الخال عند تلك القبائل العربية القمرية - الهلالية - مثل تقديس الشبان الثلاثة مرعي ويحيى ويونس لخالهم (أبا زيد)، ومثل تعرف كل من سعدى ومي إلى خالتهم - الجدة - شوه، التي قد تكون طوطما أو مزارا سالفا، مثلها مثل الجازية، التي أتصور أنها كانت بمثابة إلهة قمرية، أو طوطم لمجموع القبائل المهاجرة المتحالفة.
كذلك يتضح مدى تقديس الخال المتواتر إلى اليوم، الشائع بكثرة في الحواديت والشعر الشعبي مثل:
يا عم ياللي بلا خال
Halaman tidak diketahui
تعال أعملك خالي
واحط قلبي السليم
على قلبك الخالي
وكذا مسبة من لا خال له.
فمع استمرارية أبنية أو أنساق المجتمع تظل تلك الظواهر والموروثات تواصل توالدها الذاتي، بنفس ما يحدث في الأساطير والملاحم والحكايات والأمثال، بل النكات والأسماء والأحاجي، أو الخدور والأدعية.
وجميع هذه الأبنية التي كانت المدرسة الأنثروبولوجية بريادة تيلور وتلميذه أندرولانج أول من أشار إليهما، بالنسبة لدراسة الفولكلور.
من هنا يمكن القول بإسهام جيل الفولكلوريين الأنثروبولوجيين بالمساهمة في المنهج البنائي، الذي غرضه النهائي إلغاء الحواجز التقليدية بين مختلف النظم والعلوم، وتكوين منهج يعتمد كل العلوم والدراسات، بل إن للباحث البنائي الحق في التعرف إلى مستويات الحقيقة أو الظاهرة التي لها قيمة إستراتيجية - من وجهة نظره - ويعزلها.
فمهمة الباحث الفولكلوري لا تقف عند مجرد جمع النصوص والكشف عن مصادرها وأصولها، بل إن مهامه تسجيل ما يحيط بها من ظواهر وأبنية مختلفة من اقتصادية، وقرابية، ومهنية، بالإضافة إلى ما تعكسه هذه الأبنية في مجموعها من شعائر وسلوك، قد تبدو لغير البنائيين غير ذات أهمية، من ذلك مثلا تربية الأطفال وتنشئتهم وكيفية التعامل مع المرأة، والمراهقين، والشيوخ، والعلاقات الأساسية والمتغيرة بين شخص وآخر.
فمثل هذه النظرة المتكاملة أو البنائية، تصبح أكثر فائدة وأكثر اقترابا من معرفة الظاهرة أو الحقيقة.
فما من شك مثلا في أن لخرافات الجان والنداهات ملامحها المحلية ما بين قرية وما يجاورها على طول بلداننا في مصر، ووهاد وجبال وصحارى بقية البلدان العربية، ونفس الشيء بالنسبة للتعامل مع المرأة والطفل والأب الذكر، أو مثلث العائلة الخالد - كما سماه فيرث.
Halaman tidak diketahui
وعلى هذا فإذا ما اتفقنا على أن الملمح الرئيس لفولكلور وأساطير منطقتنا العربية أو السامية، هو أنه فولكلور قبائلي ووحدتها القبيلية، ويعبر عن ذلك بأنها مجموعة من الناس لها بناء اقتصادي محدد، فنتج عنه بناء ثقافي متكافئ، أو لنقل: متواز.
وإذا ما عرفنا أن من أهم الأساسيات التي تقوم عليها المجتمعات البشرية مبدأ القرابة أو سلسلة روابط الدم أو الزواج؛ أي نسف الروابط الاجتماعية القائمة على الاعتراف بالعلاقات الجينالوجية؛ أي العلاقات الناتجة عن الارتباط الجنسي الشرعي، وإنجاب الأطفال كما يحددها ريموند فيرث الذي يرى بأن النسق القرابي يتحكم - حتى - في الأوضاع الاقتصادية والسياسية.
إذا ما عرفنا أن القرابة شيء أساسي لكافة المجتمعات البشرية، فما بالنا بالنسبة للقبيلة، التي - وكما قلنا - هي الملمح الأساس لفولكلور وأساطير وتراث منطقتنا بعامة، المحاط إلى اليوم بسياج قوي من الأنيميزم، كما سماه تيلور؟
وبكل تأكيد ممكن، فإن في دراسة بنية أو نسق القرابة والانتساب على مستوى المنطقة العربية أو السامية في مجملها، وعلى أدنى الافتراضات داخل كل مجتمع عربي أو سامي، أو البدء من منطق الجزئي بهدف المعرفة والاستيضاح للكلي، وبمعنى أبسط يمكن القول بأن في الإمكان التوقف طويلا أمام تقليد أو ظاهرة النعي العلني الذي نشهده في صحف موتانا صبيحة موت المرحوم، وكيف أن الميت ينتمي إلى عائلة كذا، ويتناسب مع عائلة كذا من حيث الأم، وكذا من حيث الأب، وكذا من حيث «ميكانيزم» التزاوج العائلي من داخلي وخارجي.
في دراسة مثل هذه الظاهرة أو النسق انفتاح على بنية كاملة، لقد وصلت العلوم الأنثروبولوجية والأثنولوجية في دراستها لهذا النسق أو البناء القرابي، سواء على المستوى البدائي أو القبائلي في مجتمعات العالم خارج الغرب، خاصة أوستراليا وأميركا اللاتينية أو داخل المجتمعات الغربية المعاصرة؛ وصلت إلى حد من الدقة الرياضية، فمثل هذا النسق - القرابي - مثل بقية الأبنية الاجتماعية في تساندها الوظيفي من الاقتصادية والسياسية، بل إن في دراسة أي نسق أو بنية اجتماعية على حدة خاصة أضلاع هذه الثلاثية التي تتحكم في المجتمع - أي مجتمع - من قرابية واقتصادية وسياسية؛ لن تحقق غايتها إلا في تساندها مع بقية الأنساق.
فدراسة أي نسق لا يصح أن تجري بمعزل عن بقية الأنساق والأبنية التي تؤلف البناء الاجتماعي كنسق متكامل هدفه تحقيق التساند الوظيفي والطبقي، وهو ما عرفه دوركايم بالتركيبات الموروفولوجية، وعرفه ماركس بالتركيبات السفلى والتركيبات العليا.
ومن السهل تصور أن التركيبات العائلية - بل لنقل القبائلية - تتبدى بوضوح في نص نعي الميت من تشابك أو اتصالات عائلية أو قبيلية، أو بدنته أو فخذته أو بقية الأعضاء العائلية القبائلية، يقود إلى شجرة العائلة - أو نخلتها - عند العرب الساميين.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن في دراسة البناء القرابي في علاقاته المتبادلة مع بقية الأنساق، تبصير البنية الطبقية الاقتصادية والسياسية - كما قلنا.
ومن هنا فليس مدخلنا إلى دراسة النسق القرابي على مستوى العالم العربي أو المنطقة السامية بهدف التوصل إلى نتائج عنصرية، أو ذكاء النعرات القبائلية الطوطمية في معظم حالاتها.
وهو ما تتوسع فيه الدراسات العبرية اليهودية، بإيقاع قرن إثر قرن منذ كوزمولوجي (سفر التكوين، إصحاح 4) بدءا بآدم أبو البشر «يوم خلق الله الإنسان على شبه الله عمله» فأبناؤه من بنين وبنات حتى نعمة أو نعيمة في البالاد الشفاهية الشعرية، ثم سلسال نوح وأبنائه وأخصه سام أو شام المطلق على بلاد الشام والساميين بعامة وما توالى من نسله، لحين بنيان مدينة بابل، حين قال بعضهم لبعض: «هلم نصنع لبنا ونشويه شيا، فكان لهم اللبن محل الحجر، وكان لهم الحجر مكان الطين» لحين تبلبل الألسنة خلال بناء برج بابل.
Halaman tidak diketahui
فيلاحظ هنا، أنه بالنسبة للكوزمولوجي السامي - أو نسق القرابة - تبدأ شجرة العائلة، منذ آدم حتى تارح - الذي يجمع الكثيرون على أنه طوطم سلف - ونوح، منسقا ومقربا بين حضارات النسل السامي، وخارجه مثل عيلام أبو العيلاميين، وكأشور، وآرام، وابنا عامر فالح وأخيه يقطان، الذي هو بذاته قحطان أبو العرب اليمنيين القحطانيين ملوك دول سبأ ومعين وابنه حضرموت.
وقحطان طبعا ما يزال يتردد إلى اليوم، وإليه ينسب عديد من القبائل العربية سواء في اليمن والجنوب العربي، أو في بقية أقطار عالمنا العربي المعاصر.
بل لقد ظل نسق القرابة متواصلا داخل التراث العربي متواترا، ويصر على تدعيمه وإحيائه كثير من القبائل العربية الحاكمة، خاصة في الكويت والسعودية واليمن والجنوب العربي.
ومرة ثانية من مدخل تنشيط دراسات نسق القرابة وعلى مستوى بلداننا العربية بهدف استيضاح البنيان الطبقي والقبلي، لا بهدف التأصيل العنصري المفضي بالضرورة إلى الفاشية؛ ستوقفنا مثل هذه الدراسات على واقع بنياننا السكاني.
فليكن الهدف هنا هو الدخول إلى أحد ميادين العصر الكبيرة، وهو ميدان الاتصال.
ولعل الملمح الأساسي لتقدم الأنثروبولوجيا الاجتماعية منذ القرن الماضي، كان زيادة الانتباه إلى البناء أو النسق القرابي، ويرجع هذا التقدم إلى عبقرية لويس مورجان في كتابه الرائد في هذا الميدان عن «أنساق روابط الدم والمصاهرة في العائلة الإنسانية» عام 1871، وساهمت هذه الدراسة في وضع أسس الدراسات الأنثروبولوجية والقرابية، إلى أن اكتملت هذه الدراسات في علوم الاتصال، ثم ما تلا ذلك من جهود العلماء الاجتماعيين في هذا المجال البكر، مثل لوفي عام 1948، ومردوك عام 1949، وسبوشر عام 1950، ودراسة العالمين الكبيرين راد كليف براون، وفورد، وجميعها بالطبع تعتمد اعتمادا كبيرا على الدراسات الميدانية؛ أي التوسع في جمع المعلومات والبيانات، وهو ما نطالب به، بالنسبة لقيام مثل هذه البحوث في مصر والعالم العربي، على أن تجيء مثل هذه الدراسات مستهدية ومرتكزة على الجهود الضخمة التي بذلت منذ مطلع هذا القرن، والتي يرى ليفي شتراوس أنها لم تثمر كما يجب رغم غزارة مواردها وبياناتها الأنثوجرافية المتصلة باختيارات الزواج، وأنماطه من داخلي وخارجي ومن أبوي وأمومي، بالإضافة إلى كيفية تنظيم العائلات والعشائر والقبائل وبقية النظم والمعتقدات الطقسية والدينية واللغوية، بل ويمكن القول بأنه حتى لعب الأولاد ، أو نظرية الألعاب التي كان كروبير أول من لفت الأنظار إلى أهميتها عام 1942 فساعد في إيضاح النسق القرابي.
ومن المفيد الإشادة بالدور الذي أصبحت تلعبه بعض الدراسات الميدانية، في التبصير بأهمية جمع ودراسة لعب الأطفال في بعض بلدان العالم العربي، مثل العراق والكويت.
وقد يكون للدور الكبير الذي لعبه راد كليف براون بشكل خاص بالنسبة للدراسات البنائية في عمومها، وبالنسبة للنسق القرابي خاصة، أهمية جديرة بالتوقف عندها؛ ففي دراسته الميدانية ومنهجه في التصنيف بالنسبة لنظم القرابة في أستراليا، أو في اكتشافه للقوانين المتحكمة في نظام القرابة عند قبائل كاييرا، والتي - كما يقول شتراوس: «ستبقى إلى الأبد واحدا من أعظم النتائج في الدراسات الاجتماعية البنائية 1930-1931.» كما تعتبر مقدمته الرائعة لكتاب «أنساق القرابة والزواج في أفريقيا» خطوة متقدمة نحو إخضاع نظم القرابة في العالم الغربي، لنظرية عامة في التأويل على مستوى عالمي. كذلك دراساته المتفرقة على مصطلحات القرابة وسلوك الأقرباء: السلوك المصاحب لأطوار العمر الثلاثة من ولادة وموت وزواج. كيف تتصرف الأم والأعمام والخالات خلال زواج ابنة أو طلاقها، أو موتها أو حملها ... إلخ.
السلوك المصاحب لعادات الاقتتال والثأر، أو المصاحب لتصرفات الأسرة أو العشيرة في حالات مولد الإناث والذكور.
ففي أهمية دراسة السلوك داخل النسق القرابي - كما يقول «لوي» - ما يشير ويكشف عن جوهر النسج الاجتماعي، مثل ملاحظة ظواهر التزاوج الخارجي الأكسو-سامي، وارتباطه من جانب آخر بظواهر وسمات محددة، مثل تأثير مكان الإقامة أو الحقل الميداني موضوع الدراسات سواء قرية أو مدينة، أو كانت بيئته بدوية أو زراعية على البنوة، وعلى عادات المباح والمحظور من التزاوج والعلاقات الجنسية.
Halaman tidak diketahui
ولقد اعتبر شتراوس أن من أغراض نظم القرابة وقواعد الزواج التي يسودها تناسق وظيفتها في اتجاه حفظ بناء الجماعة عن طريق الربط بين علاقات الدم وعلاقات المصاهرة، بل ومن أهدافها إخراج النساء من العائلات التي ينتمين إليها بروابط الدم، وإعادة توزيعهن على جماعات أخرى.
ففي رأيه أن النساء - في أحسن حالاتهن - هن وسائط اتصال، وعلى ذلك فمن الزواج إلى اللغة يمر المرء من سرعة اتصالية منخفضة إلى سرعة اتصالية مرتفعة.
كذلك استطاع براون أن يصل في دراساته إلى وضع مصطلحات أو قوانين لها عموميتها، ولها ميكانيزماتها المحددة، سواء بالنسبة للزواج والاحتفالات وسلوك أبناء العمومة في المجتمع الذكوري وأبناء الخالات في مجتمع أمومي، وكذا أوضاع الحموات وأقارب الزوجة، والعكس.
ويتفق براون مع مالينوفسكي في أن الروابط البيولوجية وروابط الدم، هي في ذات الوقت، الأصل والأنموذج لكل نمط من أنماط القرابة، وإن كان لم يرفع نظرية القرابة إلى مستوى نظرية الاتصال - كما فعل شتراوس - إلا أنه يتفق مع ماكلينان ومالينوفسكي في أن «تنظيم العائلة الذي يسود فيه حتى الذكر في كل مكان، قد تم بفعل قوة أساسية هي حق الملكية.»
وبالنسبة إلى البناءات الطبقية، وصكوك الملكية، ونظم التوريث وعلاقتها بالبناء القرابي والمصاهرة؛ فإن الأمر يصبح أكثر وضوحا، فكما يقول وارنر، فإنه «من المستحيل - في بعض الحالات - أن ينتمي أي فرد تلقائيا لطبقة معينة»، ووصل الأمر ب «لويد وارنر» إلى حد أنه افترض أن الأهالي يدركون ويفطنون إلى العلاقات البعيدة جدا بالنسبة لنظام القرابة، داخل أنموذج أو طراز «مورنجن» الذي انتهى به إلى علاقات رياضية - أو قوانين - أثارت الكثير من الجدل، كنظام محقق لحاجات ومطالب الزواج والنظام الطبقي، على اعتبار أن أولهما في خدمة الثاني. •••
وكما هو واضح يتبدى مدى تأثير المجتمع الأمومي داخل تراثنا العربي والسامي بعامة، والعبري - من حيث الدلالة اللغوية الأثنولوجية - نظرا لأن التعريف السائد لليهودي إلى اليوم داخل إسرائيل المعاصرة، هو من جاء من رحم أم يهودية.
وتنقصني معلومات عن نظام التوريث والميراث الإسرائيلي، ذلك أن خط التوريث شديد الارتباط بسيادة مجتمع نوعي ما، سواء كان أبويا أو أموميا، كذلك يرتبط التقويم بهذه السيادة، ومن المعروف أن الارتباط بالتقويم القمري عند العرب واليهود الساميين، ما يزال إلى اليوم تقويما قمريا مثل السنة أو التقويم الهجري القمري، المرتبط بالقمر ورؤية الهلال عند كلا المجتمعين: البدويين - الساميين.
وفي حالة التوريث يمكن الرجوع إلى فكرة الفصل بين الأبوة البيولوجية والأبوة الاجتماعية، كما حققها إلى حد الحسم مالينوفسكي خلال دراسته الميدانية على بعض قبائل أستراليا وسكان جزر الثروبرياند في غينيا الجديدة - قبل أن تحقق انقلابها الثقافي الحضاري الأخير - حيث إن الرجل لا علاقة له بإنجاب الأطفال، ولا يعتبر أبا بل مجرد زوج للأم، وكل دوره هو أن «يحمل الطفل بين ذراعيه» ويرعاه ويحميه، ومن هنا لا يرث الابن أباه، بل إن وريث الأب هنا يشترط أن يكون ابن أخته، فالتوريث يتم عن طريق سلالة الأم، وبذلك يرث الرجل خاله وليس أباه، كما أنه يورث أولاد أخته وليس أولاده.
كذلك لاحظ مالينوفسكي وغيره داخل هذه المجتمعات الأمومية أن في مقدور أي فرد أن يذكر سلسال انتسابه (الأمومي) حتى الجيل الثالث عشر، دون أن يحفظ ويتذكر أكثر من ثلاثة أجيال أبوية.
1
Halaman tidak diketahui
ويمكن القول بالنسبة لعالمنا العربي إن كلا التوريث والانتساب للجدود يسير في خطين، صحيح أن السلطة للرجال في هذا المجتمع الذكوري، إلا أن الجنة تحت أقدام الأمهات، إلا أنه من حيث الميراث والتوريث يسير في خطين.
وكان ل «ريموند فيرث» سبق التوصل والتبصير بهذه الطريقة الثالثة التي لا هي بالأبوية الذكورية، ولا هي بالأمومية الأنثوية، وإنما هي تجمع بين النظامين، وعرفها فيرث بالقرابة المزدوجة؛ أي التي يمكن تتبعها في أناس آخرين عن طريق كل من الأب والأم، كما يمكن تتبع ملامحها عبر مختلف الطرق والأبنية أو المداخل، من لغوية، واقتصادية أو قرابية تتصل بالميراث والتوريث، بالإضافة إلى رواسب نظام التابو والطوطمية.
ومن المفيد هنا الإشارة إلى أنه من الصعب علينا - كمجتمعات عربية أبوية - تصورنا لإمكان استمرار مجتمعات أخرى كثيرة.
مشاكل التراكمات الملحمية لسيرنا العربية
هناك سمة أو ظاهرة تختص بها الأعمال والإبداعات الشعبية الجمعية الكبرى من سير أنساب قبائلية وملاحم إنشادية، أوقعت الكثير من الدارسين في مزالق أبعد عن العلمية.
هذه السمة أو الظاهرة ذات الصفة العامة في التراث العالمي؛ هي ما اتفق على تسميتها بالتراكم الملحمي والسيري، من أحداث لاحقة تتعلق بنمط في الجسد الأصلي للسيرة أو الملحمة، ما تضيفها وتضفيها العصور المتوالية، سواء من حيث الانحراف بمجرى الأحداث أو البطولات. ومن أمثلتها الصراع العدناني القحطاني في السيرة الهلالية، بحسب نية القرابية للمجتمعات العربية التي تروى فيها، أو من حيث الانحراف وتغيير البنية القرابية التي عادة ما كان يضطلع بها نسابو القبيلة وشعراؤها، وبمعنى آخر: التدخل في مسيرة النسب ذاته بالتغيير والتبديل والإضافة؛ بهدف إضفاء التمجيد على أسر أو أبطال محليين تالين أو معاصرين.
كما أن التراكم الملحمي، لا يقتصر عادة على النصوص الشفهية المتواترة بالحكي أو الإنشاد الشعري والروائي، بل هو يصل ويطال النص أو المخطوطة المدونة ذاتها، وحتى فيما بعد المعرفة بالطباعة وانتشارها منذ القرن السابع عشر في بلادنا؛ فقد تعرضت تركتنا الفولكلورية العربية بعامة للكثير من إضافات النساخ والطباعة.
من ذلك التدخل الواضح للنساخ اليهود في مجرى أحداث بعض السير والملاحم العربية، أبرزها هنا «الزير سالم» التي تجري أحداثها المركزية في فلسطين العربية منذ أقدم العصور.
فالتراكم الملحمي أو السيري اصطلاح متفق عليه، يشير إلى ما يعلق بجسم الأعمال الملحمية والسير من أحداث مستجدة ودخيلة، سواء على المستوى المكاني الجغرافي، أو الزماني التاريخي.
وإذا ما أخذنا مثالا من واقعنا وتراثنا الملحمي؛ نجد أن الأنماط المستقلة لأي منها - مثل بني هلال، أو الملك سيف بن ذي يزن، أو عنترة، أو الزير سالم - تكتسب أحداثا وإضافات وتراكمات جانبية جديدة، يضفيها كل مجتمع وكيان من بلداننا العربية، سواء أجاءت هذه الإضافات تبعا للمأثورات أو الخرافات المحلية، أو تلك التي قد يستحدثها الرواة ومنشدو السير والملاحم.
Halaman tidak diketahui
من ذلك ما تنسبه كل بلدة وقرية في مصر لحدث ريادة بني هلال، أو أقوال أبي زيد الهلالي في أناسها وأهلها من مقولات ومأثورات أقرب - من حيث تصميمها ودقتها - إلى المأثورات التهكمية والنكات، ومن ذلك ما ينسب لأبي زيد ذكره بلدة يغلب عليها البخل والشح وتسمى «توسا»:
2 «يا رايح توسا، خذ غذاءك لا تنسى.»
وتناثرت مئات المأثورات حول هجرات وفتوحات وتجوال أبطال السير، مثل الزير سالم، والملك سيف، والجازية وأبطال الهلالية خلال فتوحاتهم للمغرب العربي، مرورا بكفوره ونجوعه ومضاريه.
كذلك فقد يمتد التراكم السيري والملحمي عبر الزمان والتوالي التاريخي، بحيث يمكن للعصور المتعاقبة أن تضيف أحداثا وموتيفات ومأثورات جديدة، تضاف تباعا لبنية السيرة أو الملحمة العينية المحددة.
فقد نجد سيرة أو ملحمة شديدة القدم في أصولها الطوطمية أو الحجرية، بينما تداخلها مؤثرات تركية عثمانية ومملوكية، بل وشديدة الحداثة أو حتى معاصرة.
ومثل هذه الإضافات والاستزادات قد يضطلع بها المجتمع الجمعي أو الكيان، وكذا الرواة، أو النساخ في حالة النصوص المدونة للإمام علي بن أبي طالب والملك الهضام، أو الزير سالم، أو الأميرة ذات الهمة، وحمزة البهلوان.
وعادة ما يكثر مثل هذا التراكم الملحمي في لحظات وامضة، حين يسقط مثلا أحد الأبطال مجندلا في دمه، يعاني سكرات الموت من أثر الطعان، فيعن له أن ينشد متحسرا ومتفجرا بحكمة يجللها دم الاغتيال والموات.
من ذلك لحظة اغتيال الأخ بدران المغتصب لعرش أخيه الطيب فاضل.
أو حين تمكن الفارس الهلالي الأمير القحطاني «دياب بن غانم» من قتل أمير تونس وفارسها: الزناتي خليفة.
وكذا حين أقدم دياب بدوره على اغتيال ابن زيد الهلالي حين باغته وطعنه غيلة من الخلف، وانكب يندبه ويرثيه.
Halaman tidak diketahui
واغتيال جساس بن مرة الفلسطيني لابن عمه وزوج أخته الجليلة بنت مرة، الملك كليب «ملك العرب والعجم» على مشارف دمشق، والذي كان سبق له بدوره اغتيال الملك اليمني التبع حسان اليماني ليلة عرسه الدامي من خطيبته الجليلة داخل قصر الملك التبع بدمشق، حين تنكر له في هيئة بهلوان أو خلبوص أو مهرج الأميرة، ثم دخل حجرة الملك التبع، فباغته وتقلد سيفه ودرعه، وقد احمرت عيناه، متذكرا أباه - الملك ربيعة - فصال وجال، ولما هجم، عرفه الملك التبع بعد أن أيقن بالهلاك، والوقوع في شوك العقال،
3
ثم استمهل التبع جساسا، منشدا مرثيته الكبرى هذه، التي يتضح فيها جليا مدى التراكم، والنبوءات التاريخية للعصور والأحقاب التاريخية التي لا رابط بينها:
يقول التبع الملك اليماني
لهيب النار تشعل في فؤادي
أمير كليب، يا فارس ربيعه
ويا حامي النسا يوم الطراد
أريد اليوم أن أعلمك شيئا
لتعرف حال أخبار العباد
فموسى كان في الدنيا نبيا
Halaman tidak diketahui
له التوراة أعطت للرشاد
وداود النبي قد جاء بعده
يبشر بالزبور اهل الفساد
وعيسى إبن مريم جاء أيضا
بإنجيل الخلاص لكي ينادي
وعندي قد تبين بالملاحم
بأنك قاتلي دون العباد
وبعده شاعر تنزل عليكم
وتفتن بين قيس في البلاد
وأنت برمح جساس ستطعن
Halaman tidak diketahui
وعبدي يذبحك بين الجماد
وتكتب في دماك على البلاطه
لمن بعدك لتشتيت الأعادي
ويأتي الزير ابو ليلى المهلهل
فيصلي الحرب في كل البلاد
ويقهر كل جبار عنيد
بضرب السيف في يوم الجلاد
وتأخذ الجليلة لك قرينة
وتحظى بالمسرة والمراد
ويظهر لك غلام بعد موتك
Halaman tidak diketahui
يسمى «الجرو» قهار الأعادي
يقتل على يده جساس خاله
وأما الزير تقتله الأعادي
وسيف ذويزن بعدك سيظهر
وتصحبه السعادة في العباد
ويبقى ملكه سبعين عاما
وبعد ذلك يطوى في الوهاد
ويظهر له ولد يدعوه دمر
شديد البأس مرفوع العماد
فيملك في بلاد الشام بعده
Halaman tidak diketahui