وتروح أمها بالسلامة، بعد أن تتغدى وتأخذ ما فيه القسمة، وترفع كفيها بالدعاء أن يعمر الله البيت ويطيل في عمر الحاج، ولا يحرمها منه أبدا.
تروح الأيام وتأتي الأيام وتأخذ زينب على البيت وأهله. سميرة بنت الحاجة، التي تكبرها بعام واحد، تصبح صاحبتها الروح بالروح؛ إن لعبت أمام البيت لعبت معها، إن ذهبت للسوق رجلها على رجلها، إن جلست تقرأ الحواديت وتجمع وتطرح في البيض والملاليم جلست بوزها في بوزها. وسميرة تموت فيها ولا تتصور الحياة بدونها. صحيح أنها تنام على السرير وزينب على الأرض، ربما أيضا من غير غطاء، وصحيح أنها تأكل مع أمها وأبيها على السفرة، بينما تلقط لقمة من هنا ولقمة من هناك، وياما باتت من غير عشاء لأنهم نسوها، أو لأن النوم كبس عليها، لكن ماذا يهم كل هذا؟ ماذا يهم أن تمشي حافية طول النهار، أن تدوخ كالنحلة بين المطبخ والسفرة وعشة الفراخ على السطوح ودكان البقال والجزار في السوق، ما دامت تستطيع في النهاية أن تلعب مع سميرة، وتسمع ما حدث للخروف المسكين مع الذئب الطماع، وتطمئن على أن الشاطر حسن قد تزوج ست الحسن والجمال، والعصفور ضحك على ذقن الثعلب المكار؟
الحاجة لا تمل من سيرتها أمام الستات. شوفوا والنبي؛ البنت أخذت علينا خلاص، نسيت أمها، وأبوها كأن عمرها ما شافته. أي والله يا علية هانم ويا ست زينات. البنت فاكرة إني أمها! - يا زينب. - نعم يا ماما. - هاتي لي أشرب. - حاضر يا ماما. - يا بنت عيب قدام الضيوف. - أقول إيه يا ماما؟ - عيب تقولي لي يا ماما. - أقول إيه يا ماما. - قولي يا ستي. - حاضر يا ستي ماما.
الله يخيبك يا زينب، كسفتيني أمام الضيوف. والنبي إن دمها شربات. يلا يا حاجة. كلنا أولاد آدم وحواء. وسيدنا النبي - اللهم صل وبارك عليه - وصى على اليتيم والغريب. أبوها موجود وأمها؟ على كل حال بنتكم، لأجل خاطر سميرة، وربنا يخليكم وتتربى في عزكم. والحاج أيضا فرحان بها، في كل مجلس سيرتها على لسانه. البعيد والقريب في البلد عرفوها؛ الباشا والبيه، الدكتور ومأمور المركز سمعوا عنها، حتى أصحاب الدكاكين والعيال التي تلعب في الشارع كلما رأوها قالوا لها: سلمي يا زينب على بابا الحاج، قولي يا زينب لبابا الحاج، نادي يا زينب على بابا الحاج. - يا بنت يا زينب! - نعم يا بابا. - قولي لستك تعمل شاي. - حاضر يا بابا. - يا بنت يا زينب. - نعم يا بابا. - هاتي لي علبة الدخان. - حاضر يا بابا. - بو يلهفك! يا بنت قولي يا سيدي. - أقول يا سيدي بابا؟
تروح الأيام وتأتي الأيام والبنت لا تتعلم. كلمة بابا وماما على لسانها، الكلام معها لا ينفع، السياسة لا تنفع، الضرب لا ينفع. لو كانت الحكاية على قد البيت كانت هانت، لكن البيت لا يخلو من الضيوف، والضيوف لا يخلون من الأغراب، والأغراب لسانهم طويل. وأين يا حاج تداري وجهك من الكسوف؟ وماذا تفعلين يا حاجة في زعل الحاج، والحاج لا يقدر على زعله أحد؟
الحكاية زادت عن الحد، وفي يوم من ذات الأيام والضيوف معزومون عنده - تجار من آخر الدنيا؛ شيخ البلد وحكيم الصحة - هاج الحاج وطلعت عفاريته. جرى على المطبخ وزعق: يا شيخة شوفي لك طريقة. - خير إن شاء الله يا حاج. - البنت خرجت دماغي قدام الناس. بابا بابا. - غلب حماري معها يا حاج. - ابعتي لأمها تأخذها. اضربيها. شوفي لك أي طريقة. - حاضر يا حاج.
وكما تأتي القطط على السيرة جاءت أمها من نفسها. لطعت يد الحاجة وحمدت ربنا على سلامتها هي والحاج وقالت: أنا جئت آخذ البنت.
قالت الحاجة: والنبي فيك الخير، كنت ناوية أبعت لك.
قالت المرأة: أبوها طلب يشوفها؛ أصله بعيد عنك.
قالت الحاجة: ربنا معه يا نبوية؛ يشفيه ويشفي جميع المسلمين.
Halaman tidak diketahui