تدرك مختلفة فليست بأجسام. وإذا كنا دللنا على أن الصوت ليس بجسم فالذي يدل على أنه ليس بصفة لجسم بل هو ذات مخالفة له أن الصوت لو كان صفة لم يخل من أن يكون صفة ذاتية أو غير ذاتية. ولا يجوز أن يكون صفة ذاتية لتجدده وأن دوامه غير واجب. ولا يجوز أن يكون صفة غير ذاتية لما بيناه من أن الأدراك لا يتناول إلا الصفات الذاتية والصوت مدرك بلا خلاف. ومع الدلالة على أن الأصوات أعراض ففيها المتماثل والمختلف وقد ذهب أبو هاشم عبد السلام بن محمد الجبائي: إلى أن المختلف منها متضاد. وتوقف علم الهدى المرتضى١ نضر الله وجهه عن القطع على ذلك. فأما أبو هاشم فإنه اعتمد في تضادها على طريقين أحدهما: أن حمل الصوت على اللون من حيث كان إدراك كل واحد منهما مقصورًا على حاسة واحدة فلما قطع على تضاد المختلف من الألوان قال بمثل ذلك في الأصوات. والطريق الثاني: أن الصوت مدرك فهو هيئة للمحل إذا أوجب مختلفة هيئتين استحال اجتماعهما للمحل في حالة واحدة كما يستحيل ذلك في الألوان. وليس بعد امتناع اجتماعهما في المحل الواحد في الوقت الواحد إلا التضاد.
ولقائل أن يقول على ما ذكره أولا: ما أنكرت من أن تكون الأصوات والألوان وإن اتفقت في إدراك كل واحد منهما بحاسة واحدة تختلف فيكون المختلف من الألوان متضادًا دون الأصوات ولا يوجب الاتفاق في قصر الإدراك على حاسة واحدة التساوي في جميع الأحكام. كما أنها وإن اتفقت عندك في ذلك فلم تتفق في أن الأصوات تبقى كما أن الألوان تبقى ولا في أن الأصوات يضادها ما يحدث بعدها كما كان ذلك في الألوان. وإذا جاز مع التساوي فيما ذكرته من قصر الإدراك على حاسة واحدة. الاختلاف في أحكام كثيرة فأحر أن يكون المختلف من
_________
١ هو الشريف أبو القاسم على بن الظاهر ابن أحمد الحسين المتوفى سنة ٤٣٦هـ.
1 / 19