والألوان حسنًا يتصور في النفس ويدرك بالبصر والسمع دون غيره مما هو من جنسه كل ذلك لوجه يقع التأليف عليه ومثاله في الحروف ع ذ ب فإن السامع يجد لقولهم العذيب اسم موضع وعذيبة اسم امرأة وعذب وعذاب وعذب وعذبات مالا يجده فيما يقارب هذه الألفاظ في التأليف وليس سبب ذلك بعد الحروف في المخارج فقط ولكنه تأليف مخصوص مع البعد ولو قدمت الذال أو الباء لم تجد الحسن على الصفة الأولى في تقديم العين على الذال لضرب من التأليف في النغم يفسده التقديم والتأخير وليس يخفى على أحد من السامعين أن تسمية الغصن غصنًا أوفننًا أحسن أحسن من تسميته عسلوجًا. وأن أغصان البان أحسن من عساليج الشوحط١ في السمع ويقال لمن عساه ينازعنا في ذلك لو حضرك مغنيان وثوبان منقوشان مختلفان في المزاج هل كان يجوز عليك الطرب على صوت أحد المغنيين دون صاحبه وتفضيل أحد الثوبين في حسن المزاج على الآخر! فإن قال لا يصح أن يقع لي ذلك خرج عن جملة العقلاء وأخبر عن نفسه بخلاف ما يجد وأن اعترف بما ذكرناه قيل له فخبرنا ما السبب الذي أوجب عليه ذلك فإنه لا يجد أمرًا يشير إليه إلا ما قلناه في تفضيل إحدى اللفظتين على الأخرى وقد يكون هذا التأليف المختار في اللفظة على جهة الاشتقاق فيحسن أيضًا كل ذلك لما قدمته من وقوعه على صفة يسبق العلم بقبحها أو حسنها من غير المعرفة بعلتها أو بسببها ومثال ذلك مما يختار: قول أبي القاسم الحسين بن علي المغربي في بعض رسائله ورعوا هشيما تأنفت روضه فإن تأنفت كلمة لإخفاء بحسنها لوقوعها الموقع الذي ذكرته وكذلك قول أبي الطيب المتنبي:
إذا سارت الأحداج فوق نباته ... تفاوح مسك الغانيات ورنده
_________
١ الشوحط نوع من الشجر يصنع منه القسي.
1 / 65